إلى السيد محمد بن يحيى الوريث
كان آخر لقاء بينهما في القاهرة في صيف 1961 وقد أتى مرض السرطان الخبيث على الوريث، وكانت ساقه قد بترت ... وكنت معهما. وقد قال الوالد هذه القصيدة في عدن، وإذا لم تخني الذاكرة فقد نشرها الوالد في أحدى الصحفة العدنية، وأرسلها إلى الوريث، وكان المرض قد اشتد على الوريث وأعقده وظل في غرفة العناية المركزة في الكويت إلى أن وافاه الأجل في العام 1963. وفي هذه القصيدة، شكر وتقدير لآل الصباح على صنيعهم باسم الشعب اليمني كله للعناية بالوريث.
إلى أخي الحبيب..
إلى البطل في عافيته وبلواه..
إلى الوريث
ذكرى إليك أصوغــها ونداء
وأود لو شاطرتـــك اللأواء
قعــدت بي الأيام عنك وإنما
أعطيــك عمري إن تراه دواء
قـاسمتـني السراء وهي رغيـدة
فلمــاذا لم نتقـاسم الضـراء
كم عشتَ تهزأ بالكـوارث كلما
واجهــت منها الزعـزع النكباء
وشدتّ بك الأيام من قيثــارها
للنـــــاس لحنًا رائعًا وغناء
وفتحت قلبك للحيــاة وأهلها
تســـدي لها ولهم ندى وإخاء
فأخــذت تحبس دمع كل مروعٍ
هاضت جناحيه الحياة شقـــاء
ومضيــت تزرع ريشه في جنبه
حتى استطــــار بريشه خيلاء
بطــلا عرفتك في مراحل عيشنا
وسعـــاً ورغدًا .. شقوة وعناء
ما عشــتَ إلا مشرفًا أو مغدقا
وحللت إلا القمــــّة الشماء
فلماذا لم تبـــق الحياة بوجهها
يا باهر اللحظـــات منك حياء
نضحتـك عطرا في جوانب بـرها
للآخريــن ونلـت منها الـداء
قذفتــك للوحـش المهول لئيمة
وتجنبت ببـــــلاءها اللوماء
سحقت بشدقيــه أعـز أرومة
وأجل قلـب ذمةً ووفــــاء
قد كنت أنت حياءها ورواءهــا
للآخرين ووجهها الوضــــاء
فلتبق بعدك في مسالك أهلهـــا
عبر السنين وقاحة جــــرداء
أمِّــلْ .. فكم ألغت شجاعة آملٍ
قــدرًا .. وكم هزم الرجاءُ قضاءَ
آل الصباح وأنتمو في مفرق الدنيــا تصوغون الحياة رخاء
بيض الوجوه من السماح كأنما أسقيتمـو ملء الصباح ضياء
أعطتــكم الأقدار أسخى جانب منها فغضتم نجدة وسخاء
والمال وطَّـأَ من نفوس سواكمو أرضاً ومنكم للأنـام سماء
فمشيتمـو مزنـاً يوضّئُ جـودها قمم الجبال ويمرع الغبراء
ورسوتمو كالشامخـات وغيركم طارت به النعمى فطار هباء
ومـلأتمو الدنيـا ندىً وبصيرةً وسواكمـو ملأ الحياة غباء
حتى الصنيعـة من يديـه يريـدها فتجيـئ منه بذيئة حمقاء
ها كم وديعــة أمةٍ عرفت به
قبسًا أضاء أمــامها الظلماء
ونضته يوماً في مجـال كفاحها
سيفــاً تذود بنصله الأعداء
حتى إذا أعطى المعـارك حقها
نصرا وأحسن في الصراع بلاء
غمدته في كنف المروءة منكمو
فحملتموه .. وكنتــم الأمناء
قد كنت ودعت القريـض ترفعاً
إذ كلُّ ما حــولي يروم هجاء
وسمـوت عن لعق الجراح بمقولي
وصــرفت عنه يراعتي استعلاء
واليـــوم أحني هامتي ويراعتي
لكمو على صنع الجميــل ثناء
أحنيهما عن أمةً لم يستطــع
إلاّ الوفــــاء لرأسها إحناء
سلمت نفوسكمو المضيئة ولتكن
لكمو النفــوس الخابيات فداء
|