العرب وفلسطين ..
نشيد الضياع
قالها الشاعر أثناء الغزو الصهيوني للبنان ووصول الجيش الصهيوني إلى بيروت في عام 1982، قبل وفاته بأشهر.
قدرٌ أنَّا خُلقنا هَازلينا
قدرٌ أنَّا حيينا عابثينا
قدرٌ أن تَرشُدَ الدنيا
ونرفض أن نبدو عليها راشِدينا
قدرٌ أن تنتهي كل المجنَّــــــات في النــاس ونبقى ماجِنينا
قدرٌ أن تعـــرف الدنيا لنا قـــــــدرَنا فيها ونبقى جاهلينا
قدرٌ أن يطرحَ الصِّدقُ على حجمنا الضوء ونبقى مدعينا
قدرٌ أن ندَّعي أنَّا صنعنا الضوءَ للنــــاس ونبقى مظلمينا
قدرٌ أن لم يعد يلقى له الزُّورُ في الدنيــــا سوانـا عاشقينا
قدرٌ أنَّا بعاهـــاتِ التبجُّـــحِ من كل الأمـــانات بُــــــرينا
أنَّا مشتاقٌ إلى الكفِّ عن القولِ أنَّا داخلَ الصِّدقِ أُحْتُــوينا
وعن القـــول بأنـَّا وحـــــدُنا دون خــلقِ اللهِ بالمجــد حُظــــينا
وبأنَّا وحدُنــــا سِــــرنا على الأرض إبـــداعًا وفـــكرًا وفنــــــونا
أيُّ شيئٍ نحـنُ أبـدعنـاه للنــاس أو كنُّــا به يــومًا عُنــــــــينا
ولإنســانيةِ الإنســـانِ مـاذا نحنُ أبـدعنا وكُـنَّـا منــــــــــجزينا
وإذا كُـنَّـا كــــــما قُلـنا فكيف بنـا مـن دون إبــداع بقــــــينا
ولمـــاذا ســــرحَ العــــــقــــمُ بنــا نمـــلءُ الأيـــام عجـــــزا وجنونا
ولمـــاذا نحــــــن كُـنّـا خــارجَ الخدرِ إشعاعاً وفي الخــيمة طينا
ليــــس عقــــــــلاً أبدًا أن تجد المُعجِزَ الخارقَ للعجزِ مـــدينا
أو تـلاقي الهمــــــجيَ الفظَّ يُـعطي الهمجياتِ دماثاتٍ ولينا
أَنا مشتاقٌ إلى شيئٍ من الصدقِ أنَّا بالبلاهات أُبْتلينا
ليــــس حقاً أبـداً أنَّا بكلِّ شعاعِ الصدقِ والنبلِ كُسينا
ليـس صـدقاً أبداً أنّـَــا على قممٍ يحضنُها الفجرُ ربــــــــينا
إننا مـن بؤرِ الليـــل أتـَينا ومـن ثــدي الضلالاتِ غُذينا
ومُلــئنا بغــرورٍ وقـحٍ عـــــاجزِ القُـــدرة فـينا أن يلـــــينا
ويلاقي الصـدقُ أنّــَا لم نكن أبداً في أيِّ يـومٍ مُعـــــجزينا
وبأنَّـا لم نعــش أيـامنا نُـذهـلُ النـاس بهــا بــل ذاهلـــــينا
نحنُ عجزٌ مطلقٌ حتى على فَهمِنا للـعجزِ لـسنا قـادرينا
نحنُ سـطَّرنـا الأسـاطيرَ ليلبسَها التـاريخُ تــــلفيقًا مُشينا
نحن زوّرنـــا به أنفسَـــــنا وجعلنــــا منـــه كـــذَّابـــــاً لعينا
صحِّحُوا التاريخَ صُوغوه بصدقٍ ولاتخشوا نقاء الصادقينا
نظِّفــوا التاريخَ من تـزويرِنـا ليرانـا فيـه قوماً فـــــــاضلينا
واذكروا للنـاسِ أنّـَـا لم نكـن فيه خـيراً مطلقاً أو خَيِّرينـا
وذكـُروا فيـه بأنَّـا غـالباً ما دخلنـاه إلى الفـيئ حــــــنينا
وبأنَّـا لم نكُنْ جـئنا لنسرحَ إحسانــاً به أو مُحـــــسنينا
وبأنَّا قـد دمغنـــاهُ بـأقسى البشـاعـاتِ وكُـنَّـــــا جارمينا
وسبينــــا فوقَـهُ الأعـراضِ نفــرشها للشبقِ العـــارمِ فينا
نحن صحراء من التاريخِ في الأرضِ من كلِّ العطاءاتِ قد عرينا
كلُّ ما يحمـــــله الصـــدقُ لنـــا أننـــــا كُـنَّا غُــزاةً فـغُــــــــــــزينا
وهـو لـولا أنَّ في آفــــاقِـــــنا لـــهبُ الآبـــار كنا قـد نُــــــــسينا
ومن استنبطهُ؟ عقـــلُ سوانـــا أم العقـــلُ الـذي كنـــا حُبـــينا؟
ومن ابتــاعَ وأعـــطى واســتردَ وأضــحى عنده المــــال رهــينا؟
وتولى سانداً أو عائداً حنـــكا يمــضغنـــا زاداً سمينـــــــــــــــــــا
ورأنـــــا حذقُـهُ رغم لـِحـانا السـودِ والـبيضِ عيالاً قـــــاصرينا
كَـبُرَ الخـزيُ فلا نمـــــلكُ إلاَّ جــــواباً يلــــــــعقُ القاعَ مـَهينا
وجعـي يفتـحُ أعــــماقي ويطرحُ في أعــــماقها شـــعباً حــــــــزينا
خـسِرَ المـَربـَعَ والمـهجـــعَ والأمــلَ الآملَ والصَّـــبر المُـعــــــــينا
ووعــدناهُ وهــــددنـاهُ بلا خجلٍ أنَّــَا سنـُحـــني الغــــــــــاصبينا
وطــرحنا فـــوقَ أطـــهارِ المصــــاحفِ أيدينا وأقسمنا اليمينا
أن نُعيـــدَ الأمَ والأبنـــــاءَ والأب للـــدارِ ونخـــــزي القاطنينا
وادعـى كلُّ هـــزيلٍ أن في صـــدره المــرجــوف ليثاً وعرينا
وتهــــافتنا هـوانــاً كلَّـما سُلِخَتْ أوجهُـنا صـــــــفعــاً بـــــــكينا
وانتحبنا في صُراخٍ فاضــحٍ ينتــهي فينا سكـــــوتاً وسكونا
وإذا كلُّ هـــزيلٍ هَــزَلَ الحرب قد عادت به الحرب بدينا
والـدمُ المسفوح صدقاً في المعـــارك يجري فيه شحما ودهونا
ليــتَ أنَّــــا قد خـجـلنا مرةً وبـأنَّا ذات يـومٍ قـد خــــــزينا
هــذه عجــرفةُ الغــازين إن فحشــت فينا دعــــونا المنصفينا
نحـنُ أوغـادٌ فـلا نـرجو من العـدلِ أن يُنـصـــــفنا مما لقينا
ومتى أخـــلاقُهُ قـد بـاركـت أوجــهاً تبكي وخداً مستكينا
وإذا كـُنَّــا كما قلــنا سيـوفاً ألبست تاريخهـــــــا نصرًا مبينا
فسقــوطُ العـدلِ أن تـؤسيـه أدمعُ مـن يعــرفه سيفا ثمينا
ليـس في العدل وقاحاتٌ فتحزنها أحزانُ سيفٍ قد أُهينا
لا أرى أي امتـــحانٍ قـد دخـــــلناه لم نُسْقِط به ممتحنينا
ليتنـــا يـومَ هُزَمْــنا قـــد رجــعنا على أحقادِنـــــــا منتصرينا
لم نحــارب بل تحاربنـــا وســـار بنا الســـوء صغارا حاقدينا
وأتـتْ أخلاقُنــا النبلَ لتفتــحَ في أخـــلاقــه جُـرحاً ثـخينا
وغـدرنا الـدمَ والقُربـى وطُفنــــا على الناس بأشلاء أخينا
وحـرقنا الكـــرمَ والأفـياءَ والخبزَ والثــــوب وسترَ الآمنينا
ونسفنــا الدورَ فـيها كلّ حاضنةٍ أو حــــامل تـؤوي جنينا
وبـترنـا كلَّ ثديٍ ربمـا قـد رضـعنا منه يــوماً ورويـــــــــنا
وقطعنــا كلَّ أكبـــادِ اليتــامى كما لو أننا نـقطـفُ تـــــــــينا
وتـركنا الوحشَ فينا مطلقاً لم يجده الـعقل في يومٍ سجينا
وقيــاداتُ المـــــذلاتِ التي سـرحت تمــــلؤنا ضعفاً مهينا
تشـــــترينا غضباً فينا تُـعَلُّمهُ التـــقوى وصـــــــبرَ المتقينا
وتُرينا في مدى القدرةِ محضَ احتمالاتٍ وفي العجزِ يقينا
كم لبثنا نعلن الحرب ضحىً فإذا ما غابتِ الشمس نسينا
وإذا قُــلنا كلاماً راعداً جـــاءَ كـذَّابـاً وجــئنا كاذبــــــــينا
هكــذا علَّـــمنا الــردةُ والإثــمُ والعـارُ نفـاقَ الخــــــــائفينا
فإذا الخــزي على أوجهنا لم يـدع وجهاً ولم يتـرك جـبينا
ووقفنا حيث شاء الصدقُ في حرب من حاربنا لا حيث شينا
وفقــــــأنا أعــينَ الأطفــــال دمـــــعاً على أحـلامهم يذري سخينا
إذا رأونــــــا كـذباً أيـــــامــــهم لبســـــتنا كـذبا حتى بــــــــلينا
وتهــرأنا نـــــكوصـاً بـــــشعاً وتـــحولنا رعــــــــاعاً صـــــارخينا
ومشـينا صيغــــــةً للإثــــم يبـــــصقنا الغفــــران قــــــوما آثمينا
وتمـــزقنا وقـد مات بنا غضبُ الصـدقِ وصـــدقُ الغـــــاضبينا
وتـــركنــا خـلفنا مسجــــدنا وأبـحنا خــصمنـــا قــبرَ أبــــــــــينا
هـــــذه كل المـــــرايا فاكســــروها فــكم تبــــدون فيها بشعينا
واقـــرأوا هـــذا بمقتٍ وأبــــــصقوا كل حرف معكم كان أمينا
وألعنــــوه وألعنـــــوا الصدقَ بـه طـالما للصدق كنتم لاعنينا
وقــطعتُم داخـلَ الإظــلامِ عمراً وعشتم خارجَ الضوءِ سنينا
وسقطتُم فـــأدخلوا أجحـــاركم وانشـــــدوا فيها نشيد الضائعينا
|