أغنيات الشمس
 

أغنيات الشمس

 

هاتِ كلَّ الزهرِ والعطرِ إليا

أنا غيرُ الحبِ لا شيءٌ لديا

لحظاتُ الليلِ كَم أمقتُ أن تَلبَسَ الديجورَ محسوباً عَلَيا

ليس في روحي دُجَنّاتٍ ولا

سرتُ في الأيامِ سرداباً خفيا

كل أعماقي وضوحٌ وجوانبُ نفسي تَلبَس الإشراقَ زيا

وهو الحب الذي هندسني

تحت هذا الضوءِ إنساناً سويا

 

في الصبا ..

كم عشقت نفسي الضحى

والشذا العابقَ والظلَّ النديا

وشبابي .. 

كان عرشاً للهوى

لم أعش فيه من الحب خليا

وأصيل العمر ..

لن أمضي على

دربه إلاَّ لأحبابي وفيا

وضحوكًا مثل وجه الفجر

لا تطرحُ الأيامُ في وجهي عَشِيا

 

كلُّ حزني هو أني لا أرى

أحداً في الناس بالحبِ حفيا

لكأن الحبَّ أضحى عاهةً

تثقلُ الإحساسَ أو شيئاً فريا

وأرى أن نفاقَ الناسِ للسوءِ قد أصبحَ أسلوباً ذكيا

فإذا السوء على الصدر مجالسه والخير منبوذاً رزيا

وإذا الإفك أميرٌ أمره

وإذا موسى يحب السامريا

 

واهمٌ إن شئت أن يعطيك الحب أو يمنحك الود النقيا

جاهلٌ تنشّأه الجهلُ ورعرعَ في جنبيه قلباً جاهليا

تكمُن الأوهامُ في أعماقه

وحشةً ترضعُ حسّاً همجيا

ويسيّرُ الإثمُ في أعصابه ريباً تحييه مرجوفاً شقيا

فزعَ النفسِ من العلم بأن له فيها دماراً خلقيا

عَجْرَفِيٌ .. فإذا لاقى الرجولات ألقت فيه ذعراً أنسويا

هابطٌ .. قد عَشِقَ التزويرَ حتى بدا فيه مسيخاً هزليا

عاجزٌ .. لو أنه قد سَلَّ سيفاً لأعطى السيفَ عجزاً خشبيا

أي شيء قادرٌ أن يقلب الحالكَ النفسِ حمياً مضريا

ألفُ سيفٍ في يدي مرتجفٍ لا تراها عينيه إلاَّ عِصِيّا

 

ليس يعطي الحبَ إلاَّ قلبُ من كان أو من كاد يغدو نبيّا

لبِسَ الإصباحَ ضوءًا وندىً

فمشى في الناس فجراً بشريا

سُحُبيَ النفس يمشي أبداً واكفَ المزنةِ مِغداقاً سخيّا

قد سمى إنسانُه فيه ولم

يُبقِ فيه الخيرُ معنً حفريا

كلّه مرتفعٌ تحسبه قمةً تشمخُ أو طوداً عليا

صاعداً في النجمِ عملاقاً بلا وحلٍ يعطيه طولاً حشريا

 

صادقًا عشتُ .. وكل الصدقِ فيّ لوجداني خليل وعشيق

عبقٌ كالورد .. ما في الناس لي

أبداً إلاَّ حبيبٌ أو صديق

تمقت النقمةَ نفسي وإذا غيّظ قلبي .. فيماني رقيق

غير أني شر ما عانيت من شدة كاد بها صبر يضيق

كلما لاقيت ثوباً اكتسي منه ظهرت فيه الخروق

وإذا آوي إلى نهرٍ أتت ضفدعٌ يسهرني منها النقيق

وإذا وافيت روضاً صدَّني سبعٌ عنه وذاوتني شدوق

وإذا واجهَ وجهي غيمةً .. رحلت وانطفأت فيها البروق

وإذا استذريتُ ظلاً .. جاءني فيه صِلٌ أو مشى فيه حريق

وإذا نحلي مضت راحقةً زهراً سُمم في الزهر الرحيق

أن أرقى نمط في الناسِ من قلبُه بالخيرِ مخضرٌ وريق

ليس يأتيه شتاءٌ تحته تسقطُ الأوراقُ أو تذوي العروق

نفسُه شيَّدها الصدقُ فبُنيانه النفسيُّ مشدودٌ وثيق

ليسَ هشاً كلما هُزّ بدت فيه للعين شروخٌ وشقوق

وبه نهرٌ ألمع ما حوله من مرابي الخيرِ في الأرضِ دفوق

ليس بئراً حُفرت شوماً ففي قاعها إما جفافٌ أوغريق

كم هو السوءُ دماماتٌ ومقتٌ وتشويهٌ وخزيٌ وفسوق

كم به عجزٌ وأحزانٌ وصَرْعٌ .. وكم فيه صريعٌ لايفيق

خصمُه كلُّ رفيعٍ .. وحواريّه الأثامُ والقبحُ الصفيق

والجمالياتُ يلقاها بلا غِبطةٍ فيه ولا حسٌّ يذوق

 

محنةٌ مفجوعةٌ صاحبها

قام فيه الشكُّ وأنهارَ الوثوق

عاجزاً أحقده العجز على من أتى الأفواقَ وثَّاباّ يفوق

حيواني الدناءاتِ بلا عائق يثنيه عنها أو يعيق

كيف يعطيك جمالَ الخير .. من كله للخير نَبذٌ وعقوق

كيف يعطيك وقارَ المجدِ .. من نفسه ما مجُدت كيف يطيق

 

أغنياتُ الشمسِ لا يعزفها

غيرُ قلبٍ فيه فجرٌ وشروق

وحديثُ النجمِ لايرويه منحدرٌ يمضغُهُ عمقٌ سحيق

في الثرى تلصقُهُ نفسٌ ترابيةٌ فهو على الأرض لصيق

جاهلٌ .. ما نفسه يحسبها جهله مأذنةً وهي طريق

 

كم أرى في الصدقِ خوفاً أن يقولا

أننا للخيرِ قد جئنا شمولا

أو أتينا الأرض غيماً وسيولا

تغسلُ الناهدَ أو تروى السهولا

لم نكن في أرضنا يوماً وقاراً ولا صدقاً ولا خيراً جليلا

لم نكن فيها عطاءاتٌ وخصب

ولا سرنا بها إلاَّ ضُحولا

لم تجدنا الأرضُ للأخلاقِ موسوعةً تلقى من النبل القبولا

لم تجدنا شرفاً يوماً لإنسانها المقهورِ بل خزياً ثقيلا

لم نكن في أفقها فجرٌ يضيئ .. ولا في وجهها ظلاًّ ظليلا

لم نكن في شمسها إلاَّ الزوال .. وفي أنجمها إلاَّ الأفولا

لم نكن في روحها يوماً سوى جَرَبٌ تهرشه داءً وبيلا

والأولى جاؤا إلى الدنيا عباقرةً منا بها كانوا قليلا

في نبيٍ أو صحابيٍ وفي فلتةٍ عانى من القهرِ طويلا

وغدرنا فيه إشراقاً وخنا مضيئاً جاءَ للفكر رسولا

نفرٌ منَّا أتوا للأرض فجراً .. وسرحنا نحن في الفجر وحولا

نفرٌ قد مات مذبوحاً بأحقادنا .. أو مات مقبوحاً ذليلا

وركبنا مجدهم خيلاً بها نملء الدنيا غباراً وصهيلا

وكذبنا أنهم داخلنا وبهم نسرح في الدنيا فحولا

نحن مهزمون في أنفسنا لم نجد يوماً إلى النصرِ سبيلا

كلما سرنا زحوفاً نرجف الأرض .. عُدنَا فوقها نحبو فلولا

في خشوعٍ لم يعد يسمع فينا أهازيجاً وحرباً وطبولا

ورجعنا الدارَ إما قاتلاً غادرَ الأخلاقُ فيها أو قتيلا

وأتى البغيُ على متن هزائمنا أُسداً وغيلا

نحن أقزامٌ .. فلن تنطاد قاماتنا يوماً ولن تزدادَ طولا

عرباً كنا .. وأعراباً غدونا .. فقبيلٌ ماقتٌ منا قبيلا

قد تبرأنا من الرشدِ .. فجانبنا الرشدُ وجافانا رحيلا

كم مقتناهُ .. كما لو كان في عمرنا ابن حرامٍ أو دخيلا

كم قبحنا وتوقحنا على الناس أن تنظرنا قبحاً جميلا

وبأن الضوءَ والأخلاقَ والمجدَ في أملاكنا جيلاً فجيلا

ثم أثبتنا لها أن ليس منا على أنفسنا أكذب قيلا

تعبَ التاريخُ بحثاً أن يصيب لنا في الكذبِ الضخمِ مثيلا 

والدماماتُ بنا لم ترجع الهجرة كي تلقى لها عنا بديلا

همجاً عشنا مع السوء بها .. ومغولاً قبل أن نلقى المغولا

أبداً نحن ورائيون عُمي الطموحاتِ صعوداً ونزولا

لا أمَامِيون نمشي لنرى مبتغانا ممكناً أم مستحيلا

يلطمُ الصخرُ قفانا .. فندور لكي نسقط عجزاً وذهولا

وإذا قمنا من الصرع بنا فَلِكَي نهتفُ بالنصرِ قفولا 

ولكي نسقطُ مرةً أخرى .. ثم ننهض سحّابين للمجدِ ذيولا

أيُّ مجدٍ لكسيحٍ مقعدٍ أتعب الأسيافَ مشقاً وصليلا

    Up     Back
Copyright: www.alfudhool.com Email: info@alfudhool.com