كما يختلف موقف الناس من الحياة كذلك يختلف موقفهم من الموت وفي معظم الاحوال يكون موقف الانسان من الحياة هو الذي يملي عليه موقفه من الموت سلبا وايجابا فالذين يتمنون الموت في مثل ظروفي حياتنا العربية الراهنه اضعاف الذين يطلبون البقاء لكن الموت كالحياة تماما يظل هبة من الخالق العظيم يأتي في وقته المحدد كما تأتي في الحياة لا يتقدم ولا يتاخر لكن عواظف الانسان واحزانه الطائشة لا بد ان تطير به عند كل فقد فاجع عبر شتب المتاهات وفي زحمة الاحزان المتلاحقه لغياب عد غير قليل من فرسان الكلمة هنا وهناك عبرالساحة العربية المفجوعه لكل ماهو قاس ومرير حاولت تلمس العزاء بالقراءة المتنوعه عن الموت وفي الموت وكانت البداية ابيات من قصيده طويله لشاععر روماني يمتدح الموت اذا جاء في وقته المناسب انا الذي كنت انظم الاشعار بوجدان مبتهج بالحماس اجدني اليوم مضطرا إلي الشجو الحزين هكذا تأمرني ربات الفن المعذبات وتدفع العبرات إلي عيني بغنائها الباكي مبارك هو موت البشر الذي لا ياتي في سنوات المرح بل يقبل علي المقهور الذي طالما اشتاق إليه بل وفي قراءة سنوات أخري في حديث قلق وخائف عن الموت يتساءل كاتب عربي شديد الايمان بقضاء الله وقدرة وان بدت كلماته قاسيه وشديده المرارة لماذا يموت الطفل الذي لم يرتكب ذنبا واحدا بل لماذا يجيء إلي العالم اصلا ولماذا يبقي الكثير من السافحين والطغاه علي قيد الحياة لمدة طويله يمارسون جرائمهم ويزهقون ارواح الابرياء ويعطلونا خطوات التقدم في حين يهاجم الموت ابطالا ومصلحين وعلماء تحتا جهم الدنيا وفتيات صغيرات..
يحلمن بالزواج والاستقرار والسعادة لماذا تعيش السلحفاء البليده الكسوله ثلاثمائة عام ولا يعيش الامام محمد عبده او جامل الدين الافغاني وابن خلدون او شكسبير اوطه حسينونجيب محفوظ واديسون مخترع الكهرباء وافلاطون حكيم اليونان واينشتاين وميكائيل انجلو وفان جوخ مثل هذا العمر الطويل وإلي اي مدي يكون الموت عادلا واخلاقيا انها تساؤلات خطيرة وعميقه تلك التي يشيرها هذا الكاتب العربي وما تتركة اسئلته في النفس البشرية أكثر خطورة وعمقا لكنها مع ذلك تبقي عاجزة لا يمكن لعقل بشري مهما كان والمعرفة ان يجيب عنها او يجدلها تفسيرا مناسبا وقد كان الرسول الكريم وهو أقرب البشر اجمعين إلي السماء واسرارها يردد في تسليم خالص ( العين تدمع والقلب يخشع ولا نقول الا مايرضي الرب ) وفي الايه القرأنية الجليه العزاء كل العزاء ( انا لله وانا إليه راجعون وبما اننا جميعا الاحياء والاموات السابقون والاحقون لله ونحن إليه راجعون فلماذا أرهاق النفس بالاحزان وارهاق العقل بالتبحث في المستحيل واذا كنا قد رددنا هذه الايه المقنعه ايه العزاء والسلوان عندما ذهب صلاح عبد الصبور وحين اختفي بدوي الجبل وعندما رحل محمد المجذوب ورددنا ها بكل الاسي والرضاء والصبر ونحن نودع الزميل عبد الله حمران وهانحن نرددها اليز بنفس الاحساس الاليم ونحن نودع ابنا أخر من ابناء الكلمة هو الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان الذي اختار ان يكون وداعة في هذه الزحمة من الالاحزان العربية تغمدة لله بواسع المغفرة والرضوان انا لله وانا إليه راجعون..
ولقد كان موته مفاجئا قيل انه قبل ان يودع هذه الدنيا بساعة وربما اقل قليلا كان قد اتصل باحد اصدقائه إلي صنعاء يحدثة عن مشاريعه واحلامة القادمة لكن الموت هو الحقيقه الوحيدة في علمنا التي لا تقبل الشك ولا ينازعها الريب لم يمهله حتي يحقق بعض تلك الاحلام والمشاريع وهو أي الموت يأتي راكبا حسان المفاجاة لكنها المفاجاة المعروفه سلفا المفاجاة المنتظرة والمتوقعه منذ البداية.. بداية الحيه حيث اقترب مولد الانسان من حيث لا يدري يموته المحقق!!
كنت معه منذ بضعة أسابيع وكان معنا الصديق العزيز الشاعر الكبير عبد الله البردوني وكان يدعونا لنكون ضيوفه في تعز حيث سيحتفي بنا ويهيء لنا اجازة لم نكن نحلم بها.. وكان يلح ويشتد في الالحاح علي قبول الدعوة.. وقد قبلت مع صديقي الشاعر الكبير الدعوة علي ان تتم بعد شهر رمضان ولان أخر مرة رأيت فيها مدينة تعز قد كانت منذ سته عشر عاما فقد كنت أكثر من صديقي الاستاد عبد الله البردوني رغبة في الاستجابة إلي الدعوة ووطنت نفسي علي التغلب علي الامراض والاسباب التي تمنعني علي الاسفار خارج العاصمة لكن المفاجأة الاخيرة المفاجاة غير المتوقعه اذهلتني فقد رحل الشاعر الداعي ورحلت معه صور الشعر والحان الكلمات كان الشاعر الراحل (عبد الله عبد الوهاب نعمان) يحدثني عن ديوانه أو بالاصح عن مجموعة اعماله الشعرية التي يعدها للطبع وكان أخر وعد منه ان يبعث إلي بالمجموعة الاولي من قصائدة التي يستعد لنشرها لكي اقدمها للقاريء بصفتي الاخ الذي رضي لنفسه واسعدة ويشرفه ان يقدم نتاج زملائة ويقوم بتشجيع من يخاف من(بعبع) النشر وبينما كنت في انتظار ما سوف يبعث به من قصائده الاولي اذا بي بي أجدنفسي اما المفاجأة غير المتوقعه..
لقد بدأ الشاعر الراحل ( الاستاذ عبد الوهاب نعمان ) رحلته مع الكلمة في اشد مراحل التاريخ اليمني صعوبه وقوة كان ذلك في اوائل الاربعينات وهو شاب لم يكمل العشرين بعد وكان قد ارتضي لنفسه اسلوبا شعريا وادبيا متميزا هذا الاسلوب يقوم علي السخرية التي تحدث فيها عن الامام يحي واركان نظامة العجوز.. كانت البداية الصاخبة الطائرة من الافاق باللحي. باللحي ابيدوا قواهم.. بالمساويك قاوموا الطائرات فما
فمساويككم اشد وادهي ولحاكم من أكبر المعجزات
لقد رحل عبد الله عبد الوهاب عن حياتنا فجأة لكنه لم يدخلها فجاة بل دخلها صارخا صاخبا سخرا دخلها من كل الوان الواقع الدميم الذي عانت وتعاني منه بالدنا وكانت سخريته وضحكته هما الوسيله إلي التغيير كما كانا أيضا وسيلته إلي مقاومة اليأس ومرارة مواجهة الاخرين وبعد .. فهذه الكلمة الطالعة من زحمة المشاعر الحزينه ليست نعيا وليست رتاء انما هي مجرد تعبير عن صدمة المفاجاة عزائي لا بناء الشاعر الفقيد ولكل إفراد اسرته.. وعزائي للشعر والشعراء..وانا لله وانا إليه راجعون .. دكتور: عبد العزيز المقالح. |