الفضول .. الحاضر الغائب بعد خمسة وعشرين عاماً الأستاذ االدكتور عبدالعزيز المقالح

صحيفة 26 سبتمبر

رقم العدد: 1336 التاريخ: الخميس 12 يوليو-تموز 2007


د. عبدالعزيز المقالح

لا يستقيم الحديث عن الشاعر الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) الا انطلاقاً من تاريخه النضالي المبكر الذي جعل منه- وهو في مطلع الشباب- صوتاً ثورياً هادراً بالحق، ضارباً في صدر الطغيان بمعاول من الكلمات الشعرية والنثرية، وبمستويات نادرة من التعبير تجمع بين الجاد والسخرية الحادة.
وإليه ثم الى الشهيد عبدالله علي الحكيمي يعود الفضل في بقاء شعلة الحرية في بلادنا مشتعلة بعد فشل الثورة الدستورية التي تفجرت في 17 فبراير 1948م، فقد استطاع المناضلان الكبيران من خلال صحيفتي «السلام» و«الفضول» ان يبقيا جذوة الحرية متقدة ونداء الحق والضمير صارخاً بأعلى ما يكون واصدق ما يكون.
لقد كان الشعر في ذلك الزمن يعيش عصره الذهبي والتنويري حيث كان الشعب يلتقط القصيدة -واحياناً البيت او البيتين- ولا يكف عن ترديدهما في كل مناسبة. كما كانت قصائد الثورة مصدر تنوير وتأمل وكان النظام الكهنوتي يخاف الشعر أكثر مما يخاف الرصاص، لان الشعر هو الذي صنع دوائر المعارضة وعملت كلماته العميقة على توسيع هذه الدوائر الى ان اصبحت الشعب كله. ومن حسن حظ الوطن ان حكامه البائدين كانوا نموذجاً كاريكاتورياً يجد الشعر فيه ما يغنيه من الصور الساخرة والمثيرة للضحك. ولا انسى ما اثارته في نفسي الصور الشعرية الساخرة التي كان يرسمها الشاعر الكبير عبدالله عبدالوهاب، وهو أستاذ بارع في هذا المجال من الفن، ومن ذلك الصورة التالية:
باللحى باللحى أبيدو قواهم             بالمساويك قاوموا الطائرات
فمساويككم اشد واقوى                 ولحاكم من اعظم المعجزات!!
أية سخرية بارعة وذكية بالحكام الذين كانوا يوهمون السذج والبسطاء من المواطنين بانهم يحمون استقلال البلاد من الغزاة والمحتملين الكافرين بتحويل الوطن الى سجن كبير أو حظيرة لا تختلف كثيراً عن تلك الحظائر التي يتم فيها عزل الحيوانات الأليفة استعداداً لذبحها او للتصرف فيها. لقد قال لي الاستاذ الذي نقل عنه هذين البيتين في اواسط الخمسينيات -عندما بدأت اقترب من عالم الادب- ان الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان كتبهما في صنعاء بعد مشاهدته للعرَّاضة التي كانت تقام بعد صلاة الجمعة، حيث يستعرض فيها الامام يحيى افراد جيشه الحفاة  ونصف العراة ومعهم ما ابقته الدولة العثمانية من بنادق ومدافع عتيقة.
لقد بدأ الفضول حياته الادبية شاعراً بالفصحى، ثم اكتشف اهمية العامية فبدأ يكتب بها قصائده السياسية اللاذعة والمؤثرة، وبعد ان قامت الثورة اليمنية (سبتمبر- أكتوبر) وأحسَّ الشاعر الكبير بالامان والاطمئنان اتجه بكل قدراته الابداعية الى حقل الاغنية العاطفية فكتب أجمل الاغاني واعذبها واكثرها انتشاراً وتأثيراً في جميع الاوساط، ويتساوى فيها ما كتبه بالفصحى او بالعامية. ومنها قصيدته الوجدانية الرائعة «وثيقة الشمس» التي منها:

كم يحزن الليل، ويبكي القمر          ويمسح النجم دموع الدرر
وتسأل الغيمات وجه السما           وتسأل الارض نسيم السحر
وتسأل الأوراق قطر الندى             عنّا، ويبكي الفجر فوق الزهر
ومذ تغيبنا عن الملتقى                  والعشب ينسى شوقه للمطر
والورد في أكمامه كلما                 أسقاه قطر الغيم فيها ضمر

    Up     Back
Copyright: www.alfudhool.com Email: info@alfudhool.com