الفضول ( العبق الوطني الذي يولد كل يوم).. بشر بالوحدة قبل قيامها وحذر من الانقسام - أحمد النويهي
 
المؤتمر نت
الأحد, 06-يوليو-2008
- إعداد- احمد النويهي –
 
يمر عام ويأتي عام آخر وقد نتانسى الفضول عمدا أو سهوا لكن شعره يجبرنا على تذكره فكيف لا فهو واحد من العمالقة الذين اثروا ساحة اليمن شعرا عاطفيا وثوريا فكان أن تنبأ بشعره قيام الوحدة المباركة وحذرنا أيضا من مخاطر العودة إلى الخلف فبين عامي 72 و82 بلغ الظمأ العاطفي والهم الوطني لدى الفضول ذروته تفجرت خلالها شاعريته لتتطاير شظاياها على امتداد هذا الوطن- تشدو بكل شي وتحث على العزة وتغني للطير والشجر والبشر - عايش الوحدة وتغنى بها وقاسم الشعب أفراحه وابتهاجاته بقيامها رغم أن تحقيقها كان بعد وفاته بثمانية أعوام ، ولأنه ذاق مرارة التقسيم والفرقة فلم يفوته تحذير أبناء شعبه من مغبة التقسيم والانفصال مطالبا إياهم بالوقوف صفا واحدا أمام دعاة الفرقة ، والتي لا تفرق ذكرياتها بين وفاته والانتصار عليها إلا يومين فقط ، فاليوم السبت تمر الذكرى االسادسة والعشرون لرحيله وتهل يوم الاثنين الذكرى الرابعة عشرة لانتصار الشعب على دعاة الردة والانفصال والتي ماكان لها أن تحدث لو إننا استوعبنا نداءات وتوسلات الفضول التي تركها لنا قبل رحيله بسنوات
واحفظوا للعز فيكم ضوءه
واجعلوا وحدتكم عرشا له
واحذروا أن تشهد الأيام
في صفكم تحت السموات انقساما
خاطب المتربصين بها بالقول....
ليس منا أبداً من مزقا
ليس منا أبداً من فرقا
ليس منا أبداً من يسكب النار في أزهارنا كي تحرقا

رغم عبقريته في الشعر لم تناقش في شعره أي رسالة جامعية إلى ألان وهو أمر بحد ذاته يضع العديد من التساؤلات ، كرمته محافظته تعز بان أطلقت اسمه على قاعة المركز الثقافي كتكريم منقوص حيث لم يكتب اسمه عليها ولم توضع صورته بداخلها حتى أن قبره والتي توضحه الصورة المرفقة محي نصف اسمه بعد أن ظل عمره يفخر بانتماءه لهذا الوطن ويطالب بتمجيد الشعب حتى لقي ربه جثة هامدة ويبقى عزاؤنا أن ترك لنا تراثا نعرف بعضه ولا يزال معظمه غائبا في مدينة حالمة.
ولد في تعز الحالمة وناضل في عدن الباسلة
****بحسب ما ورد لنا عن سيرته الذاتية فقد ولد الفضول في العام 1917م في منطقة ذبحان في الحجرية جنوب غرب محافظة تعز ، توفي عام 1982م بالسكتة القلبية بعد أن مضى من عمره خمسة وستون عاما وعبد الله عبد الوهاب أشهر من أن يُعرف، فإلى كونه أحد رجال حركة الأحرار ومن أبرز كتّابها فهو أديب وشاعر وصحفي جاد وساخر .
تلقى دراسته في الحجرية مسقط رأسه وفي صنعاء وانتقل بعدها إلى مدينة زبيد التي اشتهرت آنذاك مشهورة بالعلم ، عمل بالصحافة فأصدر جريدة ( الفضول ) والتي اقترن اسمها له فأضحى لقبا لا يفارقه ويعرف به حتى بعد موته ، حيث أصدرها في أحلك مراحل الحركة الوطنية فأكسبته شهرة
في عدن لم يكن لجريدة الفضول مكتب أو إدارة أو صندوق بريد خاص بها .. وإنما كان هو هيئة التحرير وحقيبته التي لا تفارق يده والتي كان يسميها " خُرج الفضول " ، كانت إدارته واثبت جدارة ومقدرة وطاقة من النشاط والإمكانيات الأدبية المتنوعة ، وبذلك كان هو بنفسه فريق كامل من المحررين ذوي المواهب المختلفة .
مزج في جريدته بين الجد والهزل وإن بدت في أول أمرها فكاهية هزلية محضة .. ومما أسف له الكثير إن الجريدة لم تعمر طويلاً إذ أن السلطات البريطانية أغلقتها .
..تقلد العديد من المسؤوليات منها وزارة الإعلام في العهد الجمهوري عاش نجماً لامعاً في سماء الأدب والفن والصحافة ، فكانت قوة أعماله التي تُعرّف بشخصيته وتبرز مواهبه ومقدرته ونبوغه تدفعه إلى الأضواء وتعرف الآخرين به رغم كل محاولات التواري حتى برز وفاء الشعب اليمني له من خلال تكريمه من قبل رئيسي شطري الوطن سابقا ومنحه وسامي الآداب والفنون .
منذ عام 1968م كاد يتفرغ تماماً لكتابة الشعر الغنائي والأناشيد الوطنية وغنى له الكثير من الفنانين واختص " أيوب طارش " بجل ما كتبه في الأغنية ، وقد امتازت أغانيه بدقة التصوير وبديع المعنى جمع بين بساطة التعبير وعمق المعاني .
...ونستطيع القول بثقة إن " عبدالله عبد الوهاب نعمان - الفضول " برز في المرحلة الأخيرة كشاعر غنائي أعطى للأغنية العديد من الصور الغير مطروقة ، أي أنه أتى بالجديد الجيد شكلاً ومضموناً وخير دليل على ذلك أن تصبح أنشودته ( رددي أيتها الدنيا نشيدي ) النشيد الوطني للشطر الجنوبي من الوطن.
الشاعر العاطفي الأول في اليمن
ذاق الفضول الكثير من العناء نتيجة هجرته إلى عدن فكتب الكثير من الشعر السياسي لكنه اتجه قبل وفاته بسنوات إلى كتابة القصيدة العاطفية المغناة في تجربة جديدة من الإبداع خاضها الشاعر ذو الإحساس المرهف بعد أن اقتنع بالتخلي عن الصحافة والسياسة مفسرا ذلك الاقتناع بعد الظروف النفسية التي مر بها الوطن (62-69 ) بان لكل عصر دولة ورجال وكانت المحاولة ناجحة ومتميزة وضعت الشاعر الساخر الكاتب السياسي أمام انعطاف حاسم في حياته الأدبية والفكرية وجعلته يبدع عددا كبيرا من الأغاني والأناشيد المستلهمة من وجدان الشعب ومن روح الوطن المنتصرة ولقد نسى الكثيرون الفضول الشاعر والفضول الكاتب والفضول الصحفي ولم يعودوا يتذكرون منه سوى هذا الهديل الجميل الذي يتردد عذبا قويا من أجمل حنجرة يمنية ، والفضول لم يتوقف عن كتابة القصيدة غير الغنائية وان كان توقف عن الكتابة النثرية إلا انه لم يكن ينشر شيئا من تلك القصائد مكتفيا بهذه الأغاني لعله بكلمات الحب الفياضة يستطيع أن يكبل الموت ويحاصر التخلف والكراهية ولكنه قد نجح في محاصرة التخلف والكراهية فانه لم ينجح في محاصرة الموت ولا حتى في تأخير موعده وهيهات للإنسان أن يستطيع لقد نجح الهديل الجميل النفاذ إلى القلوب وفي تحرير الأغنية العاطفية من طابع الحزن والأسى لكنه فشل في مد حياة الشاعر واثبت الموقف الفاشل للهديل الجميل أن الموت حقيقة مؤكدة لا مفر منها ولا جدوى من نشدان البقاء بعدا عنها
** يقول الدكتور عبد العزيز المقالح في استعراضه لقصيدة الفيروزة والتي أطلقت على ديوانه الوحيد ( ديوان الفيروزة )كل عز لا ينبع من القلب لا يكون مختلطا بصوت الوجدان مهما كان غرضه لا يصل إلى القلب ولا يتجاوز التلاعب الصوتي بالألفاظ ولكن بالرغم من ذلك التجديد المطلق فان ما يسمى بشعر الإفضاء عن الاحساسات والانفعالات التي يستخدمها الشاعر من معاناته العاطفية وتتبلور في صيغة فنية تعكس صدق التجربة مع الحب والحبيب
وهذا نموذج واحد من شعر الحب عند الفضول وهو نموذج منتزع عشوائيا من بين عدد غير قليل من النماذج العاطفية وهي غير تلك النصوص الغنائية التي تتردد على حناجر الغنائيين الموهوبين .. وفي مقدمتهم الفنان أيوب طارش
...ويستطرد المقالح أن هذا هو نص القصيدة العاطفية التي يروى فيها الشاعر حكاية حب كبير لم يكتب له البقاء ولم يعمر في واقع الحياة طويلا
...وينتهي المقالح في استعراضه لقصيدة الفيروزة ( إن رنة الصدق في هذه القصيدة - وهو صدق فني - تظهر بجلاء أبعاد موهبة الفضول وتضعه بين أقرانه من الرعيل الأول لشعراء التجديد في اليمن ذلك الرعيل الذي آلى على نفسه في الأربعينيات من هذا القرن أن يخرج على أساليب الحياة الجامدة وعلى نظام الحكم وعلى أساليب الشعر التقليدي المنظوم ، وقد استطاعت هذه القصيدة أن تصور لنا كأصدق ما يكون التصوير حكاية الحب الذي كان قويا ورائعا وكانت الحياة جميلة ومشرقة ، ثم ضاع فجأة وضاع وجه الحبيبان ، وليس ذلك وحبيب بل لقد محاها الحب من وجهه العظيم .
*** يقول الدكتور عبد المطلب جبر بان قراءة شعر الفضول تثير الكثير من التساؤلات .. فلماذا تأخرنا في قراءة الفضول بعد أن سمعنا شعره المغنى طويلا ؟
كتب الرجل قصائده الأولى في الأربعينات وجايل النعمان والموشكي والزبيري ؟ وترافقت بداياته مع الذري الوطني الشعري الذي كان لهؤلاء.
هل لأنه كان بعيدا عن مواقد النار حين كان أولئك في الصدارة وكانت أسرته وأبوه واحدا منهم . من هذه الطلائع التي لا تعترف بالطغيان ولا تخشى السجون ؟
إلا تستحق تجربة الفضول الشعرية والغنائية أن نضعها في مسار التطور الشعري والفني في اليمن ..؟
قد لا نكتشف الفضول كثيرا في الصحافة ولا السياسة وقد كان يهيم في عالمها لكننا نكتشفه في الشعر الذي نأينا عليه كثيرا ..
ويضيف عبد المطلب أن شعرية الفضول أوضح ما تكون في اللغة .. في المفردة .. في المعجم .. في ذلك الشجو الشجي .. الدلالي والإيقاعي معتبرا شعر الفضول بأنه يتسم بالجسارة في التخلص من رتابة الإيقاع الدائري .. وهذا ما يفصح عنه شعره الغنائي خاصة والفصيح حين يكون مفردا لصباباته الذاتية وبوحه الحميم ..
يستوقفني الفضول في انه يؤكد بقلة من قصائده تضامنا مع الكتابة الشعرية الحديثة الفصحى والعامية .. من حيث البناء الموسيقي.
ويستطرد جبر قائلا ( في الجانب الشعبي من هذا الشعر فهو يشترك مع كثر من الشعراء الذين اتخذوا العامية أداة لهم وبشروا بالكتابة السطرية وان شئنا التفعيلة وحدة لها هذا النمط الشعري . لقد أدى دوره في أن لا تهبط الكلمة إلى مستوى السوقية والابتذال في أغانينا خاصة . ومن هنا كان شعره عابرا للقرى والمدن اليمنية وربما ابعد من ذلك قليلا

شاعر جرت الوطنية في عروقه وتفجرت في أشعاره
يقول عنه الشاعر عبد الباري الفتيح إن الحديث عن الفضول ذو شجون وإنصافه يحتاج إلى مجلدات فالفضول الحاضر الغائب بيننا كان رجلا غير عاديا وكان فلتة من الفلتات ، لملم جراحه بعد فشل ثورة 48 وأكاد أقول من العدم ، أوجد جريدة الفضول والتي مثلت فتحا جديدا في تاريخ الصحافة اليمنية ، وبأسلوب رصين واكثر من ساخر وكان يطالعنا بكل عدد من الروائع والبدائع ،لا أظن في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين كان من يماثله في هذا الأسلوب غير الدكتور سعيد عبده في مصر وقلة من الشام والعراق
وفي قراءة لفكر الفضول ومحاكاة لروحه وخاصة في ديوان الفيروزة .
يتعمق عدد من الكتاب والأدباء في أسارير الفضول وحنايا روحه إذ يرى محمد أمين الشرعبي....إن الجانب الوطني والقومي في شخصية الفضول يكتشف في ديوان الفيروزة وكذلك الهم الذي اثقل كاهله وتبناه في خطابه الإبداعي الشعري ، فهو بصدق يتحرق لكل قضية وطنية أو قومية وتدرك هذا الأمر منذ قراءتك الأولى لهذا الديوان وبالذات قصيدة«ذكرى ثورة 48» حيث تجد الفضول في هذه القصيدة إنسانا لا يعرف معنى للحياة بدون تضحية وفداء وإن الوطن هو أحق من نضحي من اجله وندفع الغالي والنفيس من اجل أن يكون حراً ،وفي خطابه الشعري في هذه القصيدة وهو يخاطب ثوار 48تلاحظ أن الفضول يعول عليهم حرية الوطن وان أنفسهم التي استرخصوها من اجل الوطن ستكون يوماً عناقيد من الضوء يتهادى بها الأجيال وان الطغاة سوف تركع أمامهم انهزاماً وخضوعاً .
ونجد الفضول يثني على ثوار 48ثناء جميلاً يستحقون اكثر واكثر من أن نثني عليهم..
أعطيت كل الواهمين نفوسهم ..صدق الوفاء ومطلق العرفان
أحنت لهم كل العروش وأركعت ..لهم السيوف وصولة التيجان
حملوا المشاعر في الطريق عريقة ...اللهبات فوق مسارح الفيلان
لأكاد المح في شعاع وجوههم ..تحت الضحى يمشون في الأكفان
يّذرون طيب المجد حين تساقطوا ...عبقين مثل ضمائم الريحان

القومية في شعر الفضول
لم يشغل الفضول نفسه بالهم الوطني فحسب بل لأنه كان عربيا أصيلا وقوميا لا يشق له غبار فكان أن وجد الهم القومي شيئا في شعره فقد الفضول ذلك في الكثير من قصائده فهو يضع القارئ في موقف غاية في التأثير فالفضول ومن خلال مسيرته الإنسانية في العمل الثوري والأدبي والسياسي وفي خضم هذه السيرة الإنسانية وكمواطن عربي غيور يتأمل لكل ما يحدث لامته. ويحس بأنينها ويتتبع بحدس شاعري ذلك السقوط والانكسار الذي تعيشه أمتنا منذ 48م وحتى الآن وهو كغيره يتجرع تلك المرارة.. مرارة الهزيمة والخضوع. والفضول كما عرف عنه كاتب وشاعر قومي كتب الكثير من القصائد الوطنية والقومية والمقالات اللاذعة ذات الاتجاه الإشكالي الساخر الذي تطرق فيها لقضايا الأمة العربية وما آلات إليه. ونهجه الكتابي ومنذ تأسيسه لصحيفة الفضول في عدن وهو ينتهج هذا الأسلوب الكتابي في التطرق لهموم الشارع والناس بكل ساخر مؤثر ولاذع ويمثل قلمه الذي لا يخيفه مقص الرقابة وهمهمات المرجفين. فقد اختط لنفسه هذا المسار ومنذ أن بدأ هذه المهنة مهنة المتاعب وإلى أن وافته منية الله. والفضول حين يعالج أية قضية قومية نجد انفعالا نابعاً من ضمير عربي حي يتوقد ألم ووضوح هذا الانفعال الممزوج بالشهامة والمرارة لواقع الحال لا يحتاج إلى تفسير وليس فيه غموض إنشائي أو مرارة أبدا ويتضح لك في قصيدة «عرباً كنا"
عرباً كنا وقد متنا على
..بعضنا بعضاً دناءات وبغضا
..هكذا سار بنا القبح .
.إلى طرق الأدغال
في السوء ولفضا ..
ودخلنا غاية الأنياب .
.ليس بما يمليه غير الغاب نرضى
..طالت الألسن في أفواهنا
فحسبناها من القوة أمضى
..مجدنا عاهات لو شئنا
..لاقترضنا الحقد والعاهات قرضا
فلسفة الوطن ومعايير الوطنية في شعر الفضول
وحول فلسفة الوطن ومعايير الوطنية يرى زياد العلواني في ورقة قدمها بنفس العنوان السابق في احتفالية بمناسبة الذكرى 24 لوفاة الفضول بان الوطن في فلسفة الفضول أبجد الروح.. ولواعج الشوق.. وقبلة الحب:
إنها أرضي وقد جغرفتها
في أحاسيسي وأحببت ثراها
ساحة التبتل.. وصب العرق.. المختبر السنني لبيان معادن الرجال، وجهاز كشف الكذب الذي لا يجتازه إلا الوطني الخالص، وهو مضمار استباق الصالحات والتفاني في خدمة المجتمع، والنهوض بأدوار الاستخلاف:
ودعوا فيها ثراها يرتوي
عرقاً منكم إذا شحت سماها
وهو محراب الأنبياء الألق الدافئ.. ساحة العمل الشكور.. والاستباق المخبت، ومهرجان النظر المتأمل، والتفكير المنيب، موضع السجود الخاشع.. الإنجاز المتوثب.. وميدان الجهاد المبصر وسيمفونية العطاء الإنساني الخلاق..
هاهنا كل ضمير مؤمن
أنت محراب له يا وطني
وغدت أصقاعه معبدنا
لم ولن نعبد فيها وثنا
والوطن ووفقاً لفلسفة الشاعر أثمن من الروح:
هاهنا نحن وقد وحدنا
وطن أصبح منا أثمنا
ومن ثم فلا مجال لمقايضته بالدنيا:
أو يرى نخاس أرض أننا
نأخذ الدنيا ونعطي اليمنا
ولا شطط فيما ذهب إليه الفضول فالوطن حسب معايير القرآن الحكيم صنو الروح قيمة وقياماً.. "ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم".. سيان أن يعاقب المرء بالاستقالة من الحياة "قتل النفس"، أو الانفكاك عن الوطن "التهجير والنفي، "وهل الحياة بمعناها المادي إلا ظرفي زمان ومكان".
والوطن أرض الخير:
أيها الخير الوفير
أرضنا واحة خير
كل خير على
أجنابها قد أمرعا
والخير هنا يأتي مطلقاً مستغرقاً كل معاني وصور وأشكال الخير الروحي والمادي، الموقع والجغرافيا، التاريخ والحاضر والمستقبل،وهو ساحة المجد:
أيها المجد الكبير
أرضنا ساحة مجد
كل مجد دنا
تحت سماها اجتمعا
وهو ميدان مراغمة الشر وتحد للطغيان:
أيها الشر المغير
أرضنا أرض تحدٍ
كل شر تحد الخير
فيها انصرعا
~~~
سوف أبني الأرض لن يمنعني
أي طغيان تمادى في ربوعي
وإذا أرهب سوء وطني
فدمي يلقي لا ماء دموعي
وبالتالي وفي ظل وجود النفوس المتوثبة الساعية لبسط العدل فإنه:
إذا ما البغي فيها طلب
فيئه في الظل لاقى اللهبا
ولمَ لا ومواطنوها رجال أحرار أدمنت نفوسهم السير صعداً في مدارج السمو أو هكذا ينبغي أن يكون حالهم:
مات في أنفسنا معنى الضياعِ
وانتفت من بيننا روح الصراعِ
وتساوى قدرنا في الارتفاعِ
وليس يعني هذا أن الوطن تراب، وأشجار، وبحار، وأنهار، وسماء، فحسب، إنه كل ذلك إضافة إلى كونه مآثر: تاريخ، ذكريات، مجد، تراث، عادات، تقاليد، حضارة، ثقافة، تنشئة، تشريع، قوانين، مؤسسات ونظم.
من هذا المنطلق انهال يراع الشاعر يصوغ:
هي أرضي زرعت لي في فمي
بسمة الخير وناب الضيم
وهو إيماني يؤاخي في دمي
فرحة النصر وحزن المأتم
فوجودي ليس يخشى عدمي
والوطن بيئة انبثاق الأحلام السامقة وترعرعها.. وفي جنباتها يوقف يوسف(الوطني) حياته لتأويل هاتيك الأحلام الكبار فإذا هي بإذن ربه حقا:
تربتي فيها تربت أعظمي
وأتى من جودها بذلي وجودي
وبها شب مصراً حلمي
أن أرى فيها طليقاً من قيودي
ولمزيد طمأنة للشهداء عناقيد الضياء في سماء الأمة على مصير فلذات أكبادهم وملامح مستقبلهم يهتف الشاعر في أذن التاريخ بلسان كل الوطنيين:
يا دماء الشهداء
بسمة الأيتام في دفء المهود نحن من يزرعها
ويوم يغدو الوفاء، والتكافل، خلقاً عاماً، وسلوكاً اجتماعياً أصيلاً، تكون النتيجة المنطقية مستقبل حافل بالمجد والفخار وواقع زاهي عزيز أبي، لسان حاله:
تكذب الأيام إن قالت بأن لها فينا لهون موعداً
ويرى زياد العلواني بان للوطنية في شعر الفضول وبشكل خاص في قصائده الوطنية معايير يمكن تلمسها في تصرفات وسلوكيات الناس، وأبسط وأول هذه المعايير هو حمل الهم الوطني.. وهو ما ترجمه فعال وسلوكيات وقوافي الشاعر على امتداد سني نضاله بمعية كل الوطنيين الأحرار.
والهم الوطني عند الفضول -وفقاً لمحيي الدين سعيد-ليس هماً بيروقراطياً أو ناتجاً عن هيمنة وادعاء أو تقولاً وتزيفاً، أو رقصاً على الورق.
إنما الهم الوطني عند الفضول قد امتزج بالقلب وشب مع الأيام والآلام، ونما بالصبر والمكابرة والمعاناة، ونضج بالسنين والرزايا، حتى خرج عن طوق الحب الروتيني والهم الثانوي.. إلى طوق عفيف من الوطنية المتشحة بالنور والنار، بالضوء والضياء بأشعة الشمس وخيوط الفجر البيضاء منذ فجر عمره، وصبا حياته.. وكأن الوطن النقي كعبة من الحسن.. ولذلك شيد لهذا الوطن - الحب- أبراج لا يأتي عليها كسوف لأن راية وطنه مصنوعة ومنسوجة من أشعة الشمس:
رايتي.. رايتي..
يا نسيجاً حكته من كل شمس
اخلدي خافقة في كل قمة
وحب الوطن من الإيمان وضرب من الوطنية، فالوطن توأم الروح، وعصفور الفؤاد، وبوصلة الغرام اللذيذ، إن حق الوطن كبير على أبنائه، ومهما اختلف أبناء الدار الواحدة في الرؤى، وآليات العمل، فإن ذلك لا يسوغ لهم بحال القعود عن النهوض بأدوارهم تجاهه.. فالوطن أسمى من أن تتحكم فيه خلافات الأفراد واختلافاتهم، وهو أكبر من القبيلة والحزب والطائفة، والجماعة، والسلالة، والعرق، والمذهب.. "وحب الفضول الذي يهيم به لوطنه هو عطر الوجود وضوء القلوب:
يا حب يا ضوء القلوب البيض في ليل الحياة
يا حب حبيتك وشل القلب من ضوءك ضياه
يا حب غنيتك وخليتك على كل الشفاه
يا حب يا تسبيح وجداني وروحي للإله
يا حب خالطتك بإيماني وصليتك صلاة"
ومن معايير وسمات الوطني في شعر الفضول: الريادة في هندسة التأثير الخلاق، والتنمية الإبداعية للحياة، مع امتلاك الروح النضالية والمهارات اللازمة لمجابهة الطغيان ومشاريع الفرعنة، ومقارعة الظلم والظلام، بل وإتقان فن صناعة الموت والاستشهاد لحظة تغدو البراعة في هذا الفن أمراً حتمياً ذوداً عن حياض الوطن، وحفظاً لكرامة الإنسان وآدميته، وصوناً لحقوقه:
معولي قاسم سيفي عشقه
نصرة الحق وخير اليمن
~~~
بالبناء والسلام قد بهرنا الخير بالخير التزاما
فحين تستتب الأمور وتستقيم الأوضاع، يشرع الوطني في إعمال فكره وتوظيف إمكاناته وقدراته واستغلال متاحاته بصيغ عدة، فردية وجمعية، في سبيل إيجاد وإنجاز كل ما من شأنه أن يعود بالرفاه والبشر على المجتمع ويعزز مكانة الوطن المحلية والإقليمية، من نشر للعلم والمعرفة، وتوطين لروح التعاون وإذكاء لمشاعر الإبداع، وتوظيفٍ للطاقات، وحفاظ على البيئة وصونٍ للتراث والآثار، وإفادة من الثروات المركوزة فيه، وإحياء للأرض الموات، وتشييد للمدارس والمصانع ومراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية، وقبل هذا كله بناء الإنسان -المواطن- وفقاً لتحديات المرحلة ومتطلبات الاستخلاف:
يا جلالات العطاء إننا شعب ندى
أيامنا لم تلد غير نفوس الكرماء
~~~
سوف أبني الأرض لن يمنعني
أي طغيان تمادى في ربوعي


مبدأ الرفض والعزة والتحدي في شعر الفضول

****يصل بالفضول من الحرقة والألم لحال امتنا إلى الحكم عليها بالموت فهو يحكم عليه بالموت من يوم أن مات فيها الرفض والتحدي والمواجهة.
نحن متنا يوم مات الرفض فينا
..وسلمنا المهانات الرقابا
..والتزمنا أدبا .
.لا تجد البصقة في أوجهنا منه العتابا
فلو أن الذل لم يأتي بنا
من مذل لاغتصبناه اغتصابا .
وسنحيا عندما تأتي الكرامات
..تنفض عن نواصينا الترابا
هذه التأوهات والصرخات القومية في قصيدة «عرباً كنا» وركاب المجانين تجعلنا نجزم يقيناً أن الفضول كان يحمل هذا الهم دائماً في خطابه الشعري وتنبؤه في اكثر من موقف

*** يقول الفتيح إن الفضول كان صادقا في رفضه لكل ما هو غير جميل وكل ما هو في نطاق اللامعقول لذا فقد ناضل كأشراف ما يكون النضال وكتب شعرا أروع ما يكون الشعر لأنه نبت في عترة مثقفة تقدس قيم الحب والخير والرفض والجمال فمبدأ الرفض في شعر الفضول وان كثر فهو دليل على عشق الحق وعدم القبول بالهوان فكان أن قال :.
نحن رفض رافض إن مسنا
ظلم ظلام بعيدا أو قريبا
كم رفضنا ولبسنا رفضنا
حللا حمرا وإصراراً عجيبا
نحن رفض أبدا لكننا
نعشق الحق جليلا ومهيبا
***
اربعينياتنا فيها رفضنا
وضحى سبتمبر فيه رفضنا
ومدى السبعين يوما قد رفضنا
وسنمضي رافضين
كل من جاء لكي يجدي ضحانا
وسنمضي داحضين
كل من شاء للناس الهوانا
وسنمضي فارضين
حقنا حتى يرى الحق مصانا
****حين تتخلق في الساحة الوطنية أو يفد إليها فيروسات البغي وتتشكل في رحم الحياة السياسية والاجتماعية صور للجبروت والإقصاء والإفساد.. تفور الدماء في عروق الوطنية.. ويكون التنادي.. والاصطفاف الواعي.. لإجهاض هذا الحمل التائه، وإزهاق البغي، شعارهم:
لن يلاقي البغي إلا رفضنا
رفض جبار شريف الكبرياء
كيف لا وهم أو نحن ساعة نكون هم:
نحن أتباع ظلال وهدى
إن أتى رشد رآنا رشدا
أو أتى غي مضى فينا سدى
ما لوى زنداً ولا شل يدا
~~~
أيها الشر المغير
أرضنا أرض تحد
كل شر تحدى
الخير فيها انصرعا
ليس ذلك فحسب بل:
وسيبقى قاهر الشعب على وجه أرضي عدما لن يخلقا
والوطني حسب معيار الفضول هو من يعتز بانتمائه لوطنه:
يا بلادي نحن أبناء وأحفاد رجالك
ولوجه الله داموا سجداً
أنه لم يعطكم أرضاً سواها
وهو من ثم يوطن نفسه ويعاهد أمته وربه بالتعاون مع مواطنيه الأحرار على صيانة كل مفردات قاموس الجلال والعظمة المنبثة في تضاعيف الوطن:
سوف نحمي كل ما بين يدينا من جلالك
وحينما يحسن الأبناء استلام الراية بيضاء خافقة.. ويتفننون في إبلائها حقها:
فسيبقى خالد الضوء على كل المسالك

أبعاد العاطفة والوطنية في قصائد الفضول
;كما أسلفنا فان الفضول قد كتب القصيدة الوطنية مبكرا لذلك فقد طغت الروح الشعرية الوطنية في نفسه على كل قضاياه العاطفية التي يمج بها قلبه العاشق المحب الذي أثخنه الوقت بالكثير من الآهات والأحزان التي شكلت إبداعا شعرياً رائعاً فالمعاناة تولد الإبداع دائما فالفضول كان عاشقاً من الطراز الأول يحب بكل جوارحه فهو كما هو معروف عنه اصدق شاعر غنائي يمني جسد الحب الأصيل في قصائده العاطفية . فقصائد الفضول ذات موسيقى خاصة جداً تتذوقها بطعم البن التعزي والبلح الصبري . وكل بيت في القصيدة الفضولية هي بحد ذاتها قصيدة وعالم من الشجون والأحاسيس الرقيقة مجسدة ببساطة ودقة وعبارات سهلة وسلسة ومفهومة للعامي والمثقف .
ما يمر الليل من بابنا
..إلاّ دعا لحبنا أن يدوم 
.والفجر ما يبدأ إلاّ بنا
..يطوف حولينا طواف القدوم
وحين يقول:
قلبي يسائلني عليك أين
..أنت أين الحب
.هل عادك حبيب
..واسمع لنبض في دمي أنّات
..تسائلني لماذا لا تجيب
***فالخطاب الشعري لدى الفضول في كتابة القصيدة الغنائية يوقظ الفطرة الإنسانية ويخاطبها بأسلوب عجيب يجعلها تثور على كل تناقضات الواقع السلبية . وكل قصائده الغنائية في ديوان الفيروزة تحمل بعداً وطنياً وعاطفياً وتحس حين تقرأ قصيدة« وثيقة الشمس»
انك بحاجة ماسة للبكاء .
... ومنذ تغيبنا عن الملتقى ...
. والعشب ينسى شوقه للمطر
.والورد في أكمامه كلما.
أسقاهن قطر الغيم فيها ضمر
. ..هيهات أن أنساك إلا إذا تزندقت نفسي ...وقلبي كفر.
.سنلتقي أن طال في عمرنا .
.عمر الهوى والصبر فينا صبر.
ففي كل قصائده دعوة صريحة ومتكررة للروح بالسمو عن وحل الأنا والترفع عن الدناءات وخطاب مباشر للعاطفة الإنسانية النبيلة التي تحمل قيم الخير والحب وليس غيرها. دائماً لإيصال تأثير الكلمة حينما تفتقد للصدق والحرقة والمعاناة وهذه المواصفات الآنفة هي التي تشكل القصيدة الفضولية ففيها الانفعال العاطفي والصدق الوجداني والمعاناة الواضحة.
لم يكن الفضول يوماً محابياً أحدا حين يكتب فطابع الشعور عنده هو الذي يرسم شكل القصيدة فالشعر هو مخرجات الشعور الإنساني النبيل .. ديوان الفيروزة هو الديوان الأول للمناضل الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان «الفضول» وقد ابرز هذا الديوان الفضول صاحب فكر وطني كبير ومنظر أول في حب الوطن والتضحية من اجله بالرصاصة والكلمة والفكر السياسي الناضج.
الوحدة الوطنية وقلب الفضول
لو تصفحنا أوراق التاريخ فلن نجد شاعرا كتب للوطن كما فعل الشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان بل فقد حباه الله في أن جعل النشيد الوطني لدولة الوحدة من كلماته والذي شهد ظهوره لأول مرة عام78 على قاعة المنتزه سابقا بتعز بصوت فنان الشعب الكبير أيوب طارش رغم أن ميلاد القصيدة قبل عامين تقريبا من ذلك وانشدها أيوب في عدن مرة أخرى عام 82 أي في العام الذي توفي فيه الفضول لتصبح نشيدا وطنيا للجنوب سابقا ، ولأنه كنا أسلفنا تنبأ بالوحدة وعايشها ولو بالخيال مما جعله يهجينا رائعته تلك أي النشيد الوطني الذي غدا النشيد الخاص بالوحدة ورغم انه تعرض للتشويه في أبعاد كلمة ( أمميا ) واستبدالها بكلمة ( سرمديا )عندما كان النشيد خاص بالجنوب سابقا ، وقد تم إعادة الاعتبار إلى الفضول بإعادة أمميا إلى النشيد لتصبح القصيدة كما كانت مطلع هذا العام .
فلقد تنبأ الفضول بالوحدة اليمنية المباركة منذ زمن مبكر وظل يتغنى بهذا الحلم الجميل قبل غيره وهذا الحبس والشعور والحلم الذي كان يحمله الفضول بين جنبيه لم يأت إلا من الإيمان العميق بحتمية الوحدة وعدم قبول تجزؤ الجسد اليمني الواحد، فلقد عاش الفضول في عدن واستلهم أفكاره الوحدوية من روعة هذه المدينة الرائعة من خلف قضبان السجن الذي قيد خلفه، والذي صنع من هذا الرجل شخصية صلبة قوية فمقدار هذا الإحساس العذب الحزين المنكسر الذي نلاحظه في قصائده يكون قدر انفعاله ورباطة جأشه وغضبه وصلابته فقد تحمل كل شدة من اجل الفكر الوطني الوحدوي الذي حمله من اجل الكلمة الصادقة ذات القضية التي يضحي صناديد الرجال بأرواحهم من أجلها .والسعي للوحدة والتوحد والتغني بها وتحبيبها إلى النفوس من خلال بيان وتجلية أهميتها وثمارها وما تعود به من خير وعز على الناس معيار آخر للوطنية:
وحدتي.. وحدتي
يا نشيداً رائعاً يملأ نفسي
أنت عهد عالق في كل ذمة
والوحدة هاجس وأمنية.. عاشهما الشاعر، وطيف وضاء رطيب يتهادى إلى بؤرة الوعي واللاوعي في خلد الفضول، كعصفور من القلب ينقر.
واعتمال وجداني وقاد متجدد.. ترجمه الشاعر قوافي مائسات وحدت البلاد قبل التوحد.. وغنى لها وتغنى بها وبشر.. وانصبغت بها شخصيته، ما دفع ملهمته عزيزة نعمان للقول في حوار لها مع صحيفة الثقافية: إن مما تميزت به شخصية الفضول قدرته على تهيئة الناس لممارسة الحب للوطن وترقب الوحدة.
وكيف لا يكون كذلك من توصيف حاله:
يا شمالاً يحمل الهم بنا
مطرقاً يصغي إلى هم الجنوب
وحدة الشطرين في أعراقنا
نغم تعزفه نبض القلوب
بل انه لشدة تعشقه هذا المعنى وحضوره في نفسه.. فقد استحال من حلم محلق إلى مضارع معاش وواقع مشهود:
كل صخر في جبالك
كل ذرات رمالك
كل أنداء ظلالك
في جنوب وجدت
أو في شمالك
ملكنا ملكنا
إنها ملك أمانينا الكبيرة
وحديث الشاعر المترع بالضوء عن الوحدة، ليس حديثاً سريالياً، بل ذوب قلب، في الوحدة كقيمة فاضلة مثمرة، و معايير للوطنية..
نعم فالوحدة عز، والعز ضوء يراه الشاعر مستوطناً دنيا الناس فيطربه ذلك.. ويدفعه لوصية أبناء وطنه الكبير:
احفظوا للعز فيكم ضوءه
واجعلوا وحدتكم عرشاً له
واحذروا أن تشهد الأيام
في صفكم تحت السموات انقساما
ولعظم إشراق الوحدة - في كيان الفضول- كقيمة ومعيار.. يذهب في تشنيع الفرقة ودعاتها.. إلى حد نفي صفة الوطنية عنهم:
ليس منا أبداً من مزقا
ليس منا أبداً من فرقا
ليس منا أبداً من يسكب النار في أزهارنا كي تحرقا
ولأن الوحدة فكر وممارسة وسلوك أحاسيس ومشاعر وقناعات، وكل هذا عرضة للتعملق والتقزم00 التوسع والانكماش، في ذات الإنسان فرداً وجماعة، ومجتمع.. ونتيجة لنوع وطبيعة التعامل الأفقي والرأسي معه، وكيفية وزاوية النظر إليه.. يأتي حديث الشاعر عن معياري المساواة والعدالة الاجتماعية من ناحية كونهما يمثلان الوجه الباطن للوحة الوحدة المباركة.
وتأسيساً على هذا يتمازج ويتزاوج الدين، الأخلاق الوطن في شعر الفضول ، وما ثمة غرابة في ذلك.. فالشاعر ابن يمن الإيمان والحكمة، ".
وما جاوز الحق والحقيقة من يقول: بدور الدين والأخلاق في بناء وتنمية الأوطان:
هاهنا كل ضمير مؤمن أنت محراب له يا وطني
~~~
يا جباه الأتقياء
ركعة الإيمان في ظل البنود نحن من يركعها
يا قلوب البسلاء
راية النصر على زحف الحشود نحن من يرفعها
يا دماء الشهداء
بسمة الأيتام في دفء المهود نحن من يرسمها
استمداد القوة والصلابة وشرعية الحركة والعمل العام وصلاحيات المنصب والوجاهة والأمر من قوة الإرادة الشعبية وقبلتها ووجهتها في الحياة معيار أخر للوطنية في شعر الفضول:
أمتي... أمتي
امنحيني البأس يا مصدر بأسي
واذخر يني لك يا أكرم أمة
ولحظة يحوز الوطني ما التمسه من أمته فإنه يسخر نفسه ووقته وإبداعاته لترجمة تطلعاتها وأمانيها، فيغدو هتافه وفرحته ويقظته ووثبته وأضلعه وأكباده للشعب كل الشعب وليس شيء غيره:
الهتافات لمن بين الجموع إنها للشعب وحده
ولمن فرحتنا ملء الربوع إنها للشعب وحده
ولمن يقظتنا دون هجوع إنها للشعب وحده
ولمن وثبتنا دون رجوع إنها للشعب وحده
ولمن أضلعنا تحت الدروع إنها للشعب وحده
ولمن أكبادنا تحت الضلوع إنها للشعب وحده
يفعل ذلك عن حب وقناعة.. ويحث غيره على محاكاة فعله الحميد:
اهتفوا للشعب إن الشعب جيش لا يذل
وقفوا للشعب إن الشعب شهم لا يغل
وادخلوا في الشعب إن الشعب أفياء وظل
وبرغم كون الرجل الوطني قد كرس النفس والحياة من أجل رسم ملامح حياة أرغد للشعب ومستقبل أكرم وأسعد للجميع.. فإن يد الشعب -حسب الفضول- تظل هي العليا.. لأنه بفضل الله هو من أنجب وربى أبطال الثورة وقادتها ووقودها، وبناة الحضارة.. وشموس وكواكب التاريخ، وهنا يأتي النص:
مجدوا فيه الدم الغالي الذي
صاغ بالغادين
تاريخاً فريدا
وأخيراً الانفتاح المبصر على الأمم والمجتمعات الشقيقة والصديقة والإفادة من تجاربهم، لأن التقوقع والانغلاق - كما حدث أيام الحكم الإمامي- يحمل في طياته بذور التكلس والانكماش والضمور..
لكن الانفتاح أي انفتاح حسب الفضول لا يكون مفيداً ما لم يتحل الإنسان- فرداً ومجتمعاً- بالمهارات والعوامل اللتان تجعلانه مؤهلاً لذلك.
ومضنة المضار الوافدة من الانفتاح الذوباني الأرعن لا تقل خطورة وكماً عن تلك القادمة من طيات الانكفاء الصبياني الأحمق على الذات الذي يدع صاحبه يعتقد أن سرته مركز الكون.. ومن ثم فلا حاجة إليه في أحد، وفي هذا المعنى يجيء قول الشاعر:
عشت إيماني وحبي أمميا
ومسيري فوق دربي عربيا
وسيبقى نبض قلبي يمنيا
وساعة يتحقق ذلك ويكون الانفتاح نوع من الاعتماد المتبادل القائم على الندية وتبادل المصالح.. احترام الآخر والاعتداد بالذات ساعتها:
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا
وأنى لمن يقبل الوصاية على أرضه أن يكون وطنياً.. بل كيف لمن رهن قراره وأسلم إرادته وحريته ومصيره لغيره أن يكون في عداد الآدميين فضلاً عن الكماة البواسل.
رمز إبداعي ارتبط اسمه بالوطن
لقد أصبح الفضول من الرموز الأدبية الإبداعية الوطنية تتناقل اسمه الأجيال تلو الأجيال، فالقلائل من الرموز الأدبية المرتبط اسمها بالوطن كالسّياب في العراق والبارودي في مصر والشامي في تونس ودرويش في فلسطين والفضول في اليمن والسبب لأنها جعلت من قضيتها الأولى هو الوطن وما دون ذلك يعد ثانياً.
. فالولوج إلى روح الفضول الشعرية تحتاج إلى ترتيب وتهيئة وجدانية واستعداد تام. فقد كان الفضول يقدر شعوره ويحترم هاجسه فلا يمكن أن يخرج شعوره وأحاسيسه بشكل لا ينبغي أن يخرج فهو يمثل الفضول ونجد ذلك في قصيدة «الهدية»
من ضوء ألف صبح نحن اروينا
..مفارس الحب في أعماق روحينا
..ومن ضوء ألف عيد ضاحك الق
صغنا مباهج دنيانا ومشينا
..فيا حبيباً كأن الحب ..لي وله
..مني الملائك تأوي دفء حضنينا
لو لم يكن حبنا حباً
..لضاق به الصبر الطويل ...وكنا عنه ألوينا
...جفت قناديل حب الناس وانطفأت
إلا قناديل حبٍ في فؤادينا .
.وأقفرت منه أرواح ولو طلبت
..من حبنا ..لتصدقنا وأعطينا
فهذا هو الصوت والخطاب الهادئ الذي يستوقف المرء عنده كي يملئ من عذوبته ومناجاته العاطفية خواء الروح ويستمتع به غاية الاستمتاع..
الصورة الوجدانية للحالة العاطفية للفضول
فخطاب العاطفة والحب الإنساني العفيف الذي جسده الفضول في واقعه كان يعكس لنا الروح المرهفة التي يحملها الفضول في جسده وهي روح محبة للجمال وللصدق والوفاء والذي كان السمة الرئيسة التي في قصته الحب التي عاشها الفضول.. فالمرأة كانت هي الفضول الملهمة. ويلاحظ الخطاب العاطفي في الفيروزة والذي يشرح منية الفضول نفسه ويلخص تكوينه وحسه العاطفي الراقي. ففي قصيدة «أغنيات الشمس» نلاحظ ذلك:
ليس في روحي دجنات ولا.
.سرت في الأيام سرداباً حفياً.
.كل أعماقي وضوح وجوانب نفسي
تلبس الإشراق زيا.
.وهو الحب الذي هندسني.
.تحت هذا الضوء أنسانا سويا.
.كم عشقت نفسي بنفسي
والشذا العبق والظل النديا.
.وشبابي كان عرشاً للهوى.
.لم اعش فيه من الحب خليا
..وأصيل العمر لن امضي على
..دربة إلا لأحبابي وفيا..
وضحوكاً مثل وجه الفجر
...لا تطرح الأيام في وجهي عشيا
هكذا تتضح الصورة الوجدانية التي هي موجز دقيق للحالة العاطفية التي عاشها الفضول ومن يتأمل في الأبيات السابقة يجد أن الفضول يعلل أسباب وضوحه وشفافيته وصفاء سديريته وصدق شاعريته إلى ذلك الحب الذي هندس شخصيته وجعل منه إنساناً سوياً لا يعرف طريق الخطيئة ولا تستهويه بها ريح الظلال فمن يهندس الحب شخصه فمعنى ذلك انه إنسان قيمي.


- وللطبيعة والمكان وجود في شعره
حالة الحب الجميل التي كان يعيشها الفضول خلقت في وجدانه عطاء شعورياً لا ينضب والحب الذي عاش تفاصيله الفضول في المدينة الحالمة تعز كان أول تجربة عاطفية في حياته وأثرت فيما بعد في اتجاهاته الأدبية وأثرت مخيلته الإبداعية بالكثير من المفردات الجميلة التي ميزت الفضول عن غيره.
وتعز الحالمة بطبيعتها التضاريسية والمناخية المميزة احتضنت الفضول بدفء أمومي واخفت بين تلابيبها محبوبته ، فزادت من لوعته وعشقه وهيامه فكان الفضول يحب الحالمة تعز لانتماء المحبوبة ولسحر المكان فاحتلت الحالمة مكانة في قلبه مثلما احتلتها المحبوبة المعروف أن الفضول كان يعرف كيف يتعامل مع جمال الطبيعة وروعة المكان وتعز أعطت الفضول كل مقومات الإبداع والحب الذي لا يعرف النهاية.
والعلاقة التي كانت تربط الفضول بالمدينة الرائعة.. مدينة النجوم والشعراء ودوحة العشاق مدينة تعز علاقة لا تقل شأناً عن علاقة الفضول بالقصيدة وعلاقته الحميمة مع أيوب طارش وكانت علاقة الفضول بتعز علاقة من نوع خاص لأن مدينة تعز هي من هندسته فوهبته كل المقومات الجمالية التي تمتلكها فتنامت العلاقة بين الاثنين ففي شوارعها وحواريها القديمة هام يبحث عن فكرة وفي مقاهيها القديمة في الباب الكبير ارتشف فنجان الإبداع والعطاء وبين أحضان وديانها - وادي الضباب - وورزان - والبركاني - تنفس عبير الحب والحرية والإلهام. وفي جبين (جبل صبر) كان مكان بوحه اللذيذ للغيوم والنجوم ومكاناً جميلاً يختاره كي يراقب منه في السحاب وبين اكف الرياح عن وجه المحبوبة وطيفها. فللمكان اثر كبير في تكوين ثقافة وإبداع الشاعر ومما لاشك فيه كل جماليات شعر الفضول هي من تأثر هذه المدينة الحالمة «تعز» من محيطها الاجتماعي ذو الطابع الثقافي أهل هذه المدينة المثقفين والكل يعتبر الفضول ، «عبدالله عبدالوهاب نعمان» هو علم إبداعي كبير وشاعر مثقف وسياسي كبير جاء إبداعه من مخاض المعاناة ومن رحم الطبيعة التعزية الأخاذة.
رثى نفسه قبل أن يموت
عظمة الفضول ليس لها حدود والتزامه بالعزة جعلته يرثي نفسه قبل أن يموت فلقد أدرك مسبقا أن التجاهل لتاريخه سيكون واردا وان تذكره لن يتعدى الفعاليات والاحتفاء بذكرى وفاته فقط أن لم نمر عليها مرور الكرام فكتب يرثي نفسه قائلا
يا من رحلت إلى بعيد قصر مسافات البعيد
لأتدخل النسيان أو ما فيه من صمت وبيد
فلربما عاد الهوى وعادك الله المعيد
قد كنت لميتك لموم الريش في العصف الشديد
وخبأت حبك بين نبضي في تعاريج الوريد
فأبيت إلا أن تعود إلى ضياعك من جديد
ما قيمة الأيام بعد هواك تنقص أو تزيد
فلقد أردت وكنت لي في العمر أخر ما أريد
يا أخر الألحان في وتري وخاتمة النشيد
يا أخر الأشواق في سهري وفي قلبي العميد
يا أخر الأوراق في زهري تساقط في الجلي
يا أخر الإشراق في عمري وأخر وجه عيد
في الأخير ما بوسعنا أن نقول في ذكراه سوى شي وحيد أن نرد له الجميل بما يوازي مكانته كعلم ورمز إبداعي لايمكن أن يمحى من ذاكرة الأجيال رغم التجاهل ، فالاقتصار على الفعاليات والندوات لا تفي الفضول حقه في شي فلقد قال عن الشعب مجدوه فهل نمجده بعد أن خذلناه وخذله بنوه.
    Up     Back
Copyright: www.alfudhool.com Email: info@alfudhool.com