وبعد عام ....
السفير مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
طوكيو
انقضى عام منذ إطلاق هذا الموقع، وقد زاره حتى يومنا مايزيد عن ثلاثون ألف زائر، اعتقد أنه حتى الآن حقق الهدف الأساسي الذي قصدناه من إنشاء الموقع وهو أن يكون متاحاً لأكبر عدد ممكن من محبي وعشاق الفضول كساحةٍ واسعة تتجاوز مسألة أن يتم رصد قصائد الفضول في ديوان واحد أو عدة دواوين يطبع منه أو يطبع منها عدة آلاف بسيطة يكون مصيرها المكتبات والأرفف لذلك العدد من الذين اقتنوا الديوان أو الدواوين.
غير أن المحزن أننا عندما أطلقنا هذا الموقع العام الماضي 5 يوليو 2007 في الذكرى الخامسة والعشرون لوفاة والدنا المغفور له عبدالله عبدالوهاب نعمان في الاحتفال الذي أقيم في هيئة الكتاب بحضور وزير الثقافة، تعهد رئيس هيئة الكتاب بطباعة الديوان على نفقة الهيئة. والآن وبعد عام ونيف لم يرى الديوان النور.
غير أن هذا الأمر لن يغير في الجهد الذي بدأناه، وسأظل أضيف كل ما أجده في أوراق والدي من قصائد لحين استكمال العمل وتحقيق الهدف الأساسي، وهو أن يظل الموقع مزاراً لكل الحبين والعاشقين لأشعار الفضول وأعماله وللباحثين والدارسين.
وفي هذا المقام، سيجد المتصفح إضافات جديدة في القصائد التي لم تنشر من قبل، لعل أهمها على الإطلاق، ما قاله الشاعر في الأئمة الطغاة من آل حميد الدين قبل وبعد ثورة 1948 التي كان جدي الشيخ عبدالوهاب نعمان الرأس المدبر الأساس لها إلى جانب السيد حسين الكبسي ورفاقهم الأبرار الذي أطاحوا بالإمام يحي حميد الدين.
والقصيدتان الجديدتان "فجِّر الأرض" و"هوت الصواعق"، اللتان تم إضافتهما، هما من أهم القصائد التي لم تنشر للفضول، وقالهما في العام 1944، وهما من البدايات التي تدلل على النبوغ المبكر للفضول، حيث قالهما وهو لم يتعد الثلاثين من العمر، فلقد كان الفضول نابغة بكل المقاييس، مما جعل اخوته، وهو من أصغرهم أن يجعلوه، مرجعهم في أمور كثيرة. لقد كان أغفال هاتين القصيديتين أغفالاً لمرحلة مهمة في حياة شاعرنا الجليل.
وهنا لعل من المناسب أن أورد نص رسالة كتبها في 17 شوال 1363 هجرية، الموافق 4 أكتوبر 1944 من عدن، والدي عبدالله عبدالوهاب نعمان وشقيقه الأكبر محمد عبدالوهاب نعمان بعد فرارهما إليها، إلى الإمام يحي حميد الدين يستعطفونه إطلاق والدهم المعتقل في صنعاء منذ اوائل عشرينيات القرن الماضي وقد انقضت عليه 23 عاماً في الاعتقال، قالا فيها:
" 17 شوال 1363
جلالة ملك اليمن المعظم
لقد خشينا عتبكم وأن ترمونا بالعقوق أذا قابلنا عبثكم الشديد بوالدنا المحطم الشائب عبدالوهاب نعمان بالسكوت وتصاممنا عن أنينه وأعرضنا عن آلامه، لأن عقوق الوالدين مما يخالف شريعة الله، وأنتم قلتم في جوابكم على "حزب الأحرار" أنكم لاترضون غير شريعة الله.
فيضٌ وعشرون عاماً أنتَ مبعدهُ
عنا فهل لك إحساسٌ ووجدانُ
يبصّراكَ إلى رفقٍ ومرحمــةٍ
به إذا لم يفدكَ العدلَ قـ ــرآنُ
بمثلِ ذا ما رعى راعٍ رعيَّتــه
كلاّ ولا عاملَ الإنسانَ إنسانُ
بمثلِ ذا ما قضى العقل السليم ولا
قضت بهذا نواميس وأديــانُ
كادت رحى البؤس والآلام تسحقهُ
و أنت فيه كما صرحت حيرانُ
إن حِرتَ في أمر شخصٍ واحدٍ فمتى
ترى المصيرَ ملائينٌ و أوطـانُ
إلى آخر ما جادت بها القريحة تعليقاً على جوابكم له بقولكم "والنبي ما قد تقرر لنا رأي في شأنك لا يحسن الاستعجال" وحسبكم أنكم قد تعطلتم حياته وأفقرتموه وغربتموه وهذا جزاء طاعته العمياء واستسلامه وخضوعه. وبينما نحن ننتظر أن الأيام ستوقظكم وعِبرَ الدهر ستنبهكم، إذا بنا نتبلغ الأوامر من أولادكم الكرام بحبسنا ونرى منهم تصرفات شاذة ومعاملات غريبة كأنهم أرادوا أن يعملونا ملحقاً للرواية التي تمثلونها بوالدنا. لذلك عزمنا الرحيل ومغادرة الأوطان وقلنا في أنفسنا لسنا بأعز من نصف السكان الذين غادروا البلاد ليعيشوا في أمن وطمأنينة في بلاد الأجانب.
فغاية الرجاء التكرم بإطلاق سراح والدنا وإرجاعه إلى أهله وأولاده لتكسبوا بذلك قلوب أربعمائة نسمة من عشيرته ومن يمت إلى هذه الأسرة الكريمة بصلة. كما أن خسارة مثل هذه القلوب سيكون لها شأن يذكر في تاريخكم. وصلاة الله عليكم.
عبدالله عبدالوهاب نعمان ومحمد عبدالوهاب نعمان"
وأنا أورد هذا النص لأنه يوضح، أولاً، أن اعتقال الشيخ عبدالوهاب نعمان تم في العام 1921 بعد استلام الإمام يحي حميد الدين الحكم من العثمانيين في العام 1918 بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى، وبعد صدامه الشهير بنائب الإمام علي الوزير أمير تعز الذي عينه الإمام، بسبب رفضه الأتاوات والضرائب التي أراد الإمام يحي فرضها على الحجرية وتعز، وقد كان الشيخ عبدالوهاب نعمان حتى هزيمة العثمانيين قائممقام الحجرية ويحمل لقب البكوية من الباب العالي. ثانياً، توضح القصيدة أنها جزء من قصيدة أكبر "جادت بها القريحة". وثالثاً، توضح الرسالة أن تاريخ فرار والدي وعمي إلى عدن كان في منتصف عام 1944.
وبعد هذا العام الذي انقضي أضيف أيضاً بعض القصائد الأخرى التي ستجدونها في القصائد التي لم تنشر. وسأظل أكتب وأضيف ما لزم الأمر وكل ما يعن لي وكل ما تسترجعه الذاكرة.
والله من وراء القصد.
السفير مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
طوكيو، اليابان 7 سبتمبر 2008
|