الشاعر الفضول.. بساطة الكلمة.. وكبر المدلول العدد 1441 - الثقافية الشاعر .. عبدالله عبدالوهاب نعمان.. الملقب بالفضول.. يحيى عبدالرقيب الجبيحي
-يعتبر شعره.. بمثابة نهر خالد.. يروي كل ما -ومن- حوله دون تمييز.. يمتاز بفصاحة الكلام.. وتلاحم بعضه ببعض.. وبإتقان بنية الشعر.. وعقد القوافي.. وجودة السبك، وحسن الديباجة.. ودقة التصوير.. وإبراز الصور الجمالية.. كما يمتاز شعره.. بأسلوب سهل ممتنع.. يكاد ينحصر فيه دون سواه فحينما يمدح الفضول فإنه يمدح دون تحديد.. حتى ليخيل لكل ممدوح بأنه المعني دون سواه؟! لتصبح القصيدة صالحة لكل من يعنيه المدح! وهو ما ينطبق على الذم والوصف والغزل في شعره.. مما يؤكد فرادة شعره عما عداه! - بجانب امتياز شعر الفضول.. بمعاني مبتكرة.. وابداعية.. يصوغها بقالب فني بديع.. ويحسن تركيبها بلفظ مناسب للمعنى وبقواف.. تظهر فيها الرقة والعذوبة والوضوح!! عبرالقدرة على التصرف.. والبعد عن التكلف! مما اعطى لشعره وقعاً خاصاً في القلوب وامتزاجاً وتأثيراً في النفوس! وما ذلك إلا لسعة خياله.. وبراعة أسلوبه.. وقوة مفرداته!.. - يشتم القارئ المتذوق لشعره.. نكهة البيئة التي ينطلق منها الشاعر وشعره.. ونفس الطبيعة المحيطة.. ويتلمس فيه عراقة التاريخ.. ووهج النضال.. وشموخ الجبال.. وصليل الأصفاد.. وقسوة الاستبداد.. وتواضع الرجال.. - أحيا الفضول بشعره.. بعض حكم العرب، ومساجلاتهم.. ومنافراتهم.. وعشقهم وغرامهم وعفتهم وعفافهم.. واخلاصهم ووفائهم.. وصبرهم وبلائهم! -وضع تعبيرات الهزل في مواطنها.. ومفردات الاسهاب في مواضعها.. وجمل الايجاز في أمكنتها!.. - ولأن الشاعر الفضول- كان حريصاً على الارتباط بقارئ ومتذوق شعره.. وعلى ملامسة قضايا مجتمعه ومشاعر إنسانيته.. فقد كان يؤمن ويعتقد بكل ما يشعر.. وماذلك إلا لأنه سطر شعره.. لقارئه ولمجتمعه قبل ذاته.. لمعرفته بأن الكلام أكان شعراً أم نثراً.. إنما هو بمثابة صلة.. بين شاعر أو كاتب.. يفهم ما يقول، ويؤمن بما يسطر.. وبين قارئ أو مستمع.. يفهم ما يقرأ أو يسمع.. ويتفاعل بحسه ووجدانه!!. -أشعار الفضول العامية.. والتي رغم أنه يطلق عليها كذلك.. إلا أنهم تمثل مصدراً من مصادر الفصاحة والبلاغة.. حتى صارت اللغة بها تتجه حيث يتجه.. وتميل حيث يميل.. وليس العكس!.. - وأشعاره الغنائية.. تمتاز بإيقاع موسيقي خاص بها.. حيث رقة الألفاظ.. وانسجام الحروف والمقاطع.. فهي بمثابة جداول رقراقه، ونجوم براقة.. ونفوس تواقة.. بل بمثابة بهجة من نهار وهدوء من ليل.. وصخب من عواصف.. وسكون من بحيرة.. ونقاء من شمس.. وبهاءٍ من قمر!. - ولذا.. فقد غنى الفضول.. لجمال الطبيعة.. وسكون الليل.. ولضوضاء النهار.. ولهمسات النسيم.. ولجمرات الأشواق.. ولتباريح الحنين.. ولحفيف الأزهار ولبريق النجوم ولجداول المياه.. ولتغريد الطيور.. ولنقاء الغيوم.. ولسحر العيون.. ولنجوى الشجون!. - كما غنى.. لأناة التعساء.. ولإبتسامة السعداء.. وللعاشق الكاتم.. وللعزيز الذليل.. وللغيور المفضوح وللشريف المكلوم!. - ولأن الشاعر- الفضول - لم يكن مجرد ناظم للشعر.. بقدر ماكان مبتكراً فلا غرابة أن يختلف شعره عن شعر غيره.. خاصة بترفعه عن الصغائر.. وبعدم إجادته للمديح لدى بعض ابواب الذوات.. وعدم قدرته على نثر الأزدهار في الافراح وسكب الدموع في الأتراح!!. - ولعل أخي الشاعر والأديب- سلطان نعمان البركاني.. كان الاقدر في وصف شعر الفضول باعتباره شبه متخصص بهذا الشأن!.. حيث ذكر تسع خصائص يمكن تلمسها بشعر الفضول: والتي تتمثل كما ذكرها النص بالآتي:- - دقة التصوير.. وابراز الصور بشكل جلي وجميل.. مثل: «كم شهيد من ثرى قبر يطل ليرى ما قد سقى بالدم غرسه» ومثل: « هي أرضي زرعت لي في فمي بسمة الخير وناب الضيغم» «وهو إيماني يؤاخي في دمي فرحة النصر وحزن المأتم» - الحيوية المشربة بالانفعالات القوية: مثل: « نحن عجز مطلق حتى على فهمنا للعجز لسنا قادرينا» - صدق التجربة.. ودفء المشاعر، وحرارة العاطفة. مثل:- « كم تساءلت ولم ألق جوابا أين عن أرضي وجه الصدق غابا؟» « شبعت كل الحقارات بها ومضت كل الطهارات سغابا» - الترابط الوثيق بين المقاطع وحسن توظيف الألفاظ. مثل:- « رب عملاق طوى قامته لم يقصر طوله حين طواها.. وتعالي القزم لا يعطي له قامة حتى ولو صارت إلها!» - اتساق العبارات وانسيابها بسلاسة ويسر.. مثل:- « اذكرك والليالي.. غامضات النجوم.. والسما مستضيفة ساريات الغيوم.. والقمر قد توارى.. في السحايب يعوم.. والهواجس بقلبي ساهرة لا تنوم» - تفاؤله اللا متناهي.. مثل: « بدءاً ايام فؤادي الباسمات وضحى عمري وأشواق حياتي ليس ما مر ولكن ما سيأتي يوم القاك فألقى أمنياتي!» ومثل: « وحدة الشطرين في أعراقنا نغم تعزفه نبض القلوب فهي في الزورة من أشواقنا إنها لقيا حبيب حبيب» - استخدام أجمل ما حفلت به الطبيعة.. مثل: - «ما أحلى حبيبي وسط داري يحوم كان عندي كل ضوء النجوم والنهر والزهر وقطر الندى ورونق الشمس وظل الغيوم» ومثل: - «أقاسم الطير في الاعشاش ضوء البكور واشرب كؤوساً من الاصباح شعاع نور» - لفتة واضحة قريبة من الفصحى، غير بعيدة عن العامية.. يفهمها الخاص والعام.. مثل: - «يا أحبائي القدامى في الثرى هاكم اليوم حبيباً آخرا»، ومثل: - «شعبٌ بحمدالله يمشي للورى لحف التراب وبالحصير تأزرا أدبته بالفقر حتى يرعوي وحملته بالجوع كي لا يبطرا». - الاعتزاز بالتاريخ والأمجاد.. مثل: - «اشرقي تحت سمائي يا سيوفي وانثري ضوءك في وجه ضيوفي وابعثي الأمجاد في مواكبهم واريهم تبعاً بين الصفوفِ!». - هكذا سرد الشاعر سلطان نعمان البركاني.. خصائص شعر الفضول والتي يمكن تلمسها بشعره بصورة جلية حسب فهمه كشاعر، وهي الخصائص التي تفرد ببعضها ومشاركة غيره من الشعراء بالبعض الآخر مع ان بعض الامثلة.. قمت شخصياً بسردها. - وهكذا.. هو شعر الفضول.. بساطة الكلمة.. وكبر المدلول!! وهو ما يؤكد ان شعره بعمقه وشفافيته.. بحكمة وجمال لغته.. برموزه وغنائيته.. بعروبته وحضاريته.. سيظل حياً في الوجدان والشعور!!. - ثم.. ماذا بعد؟!!.. بل ما المناسبة من سرد ما تقدم عن شعر عبدالله عبدالوهاب نعمان -الفضول- والذي لا أخال أني أتيت فيه بجديد؟!!.. ربما باستثناء خصائص شعره حسب ما ذكرها الشاعر سلطان نعمان البركاني والتي قد تكون حافزاً لدى بعض المعنيين لهدف تقييمها!!. - ان المناسبة لسرد ما تقدم عن شعر الفضول.. والذي طغى عليه الاسلوب الادبي وحسب الظاهر!! وان لم يكن بجوهره كذلك.. كونه -اعني ما قمت بسرده- جاء من كاتب غلبت على كتاباته -بعض الطابعين السياسي والاعلامي- ربما بحكم التخصص والعمل!! وان لم يأت ذلك على حساب تذوقي للشعر والادب؟!!. - اقول: مناسبة ما قمت بسرده هنا.. هو قيام الهيئة العامة للكتاب.. باصدار مجموعة اشعار الفضول.. وقام بجمع المادة وتصنيفها -لطفي فؤاد نعمان- وحينما حصلت على نسخة من «اشعار الفضول» من الاخ الدكتور فارس السقاف- رئيس الهيئة العامة للكتاب.. قمت بالاطلاع عليه.. ثم.. حاولت وضع مقارنة بين بعض قصائد الفضول الموجودة في كتاب: «من اغوار الخفا الى مشارف التجلي» للاستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح. وفي «موسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين» اضافة الى احتفاظي ببعض قصائد للفضول.. بعضها بخط اليد وبعضها نشرت ببعض الصحف اليمنية وبين كتاب «اشعار الفضول»!. - حاولت وضع مقارنة.. لأفاجأ بالعديد من الاختلافات الموجودة بكل وضوح.. بل ظللت اتساءل مع نفسي.. هل ما جاء في كتاب «اشعار الفضول» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب هو الاصح وما عداه هو الخطأ؟! ام ان العكس هو الصحيح؟!!. - فعلى سبيل المثال وليس الحصر. - نجد في قصيدة: «شعب بحمدالله»، ص64. - «شعب بحمدالله يمشي للورى لحف التراب وبالحصير تأزرا» بينما هي في كتاب: «من اغوار الخفا الى مشارف التجلي»: - «لحف التراب وبالحصير تأزرا شعب بحمدالله يمشي للورى» ص112. - في الديوان: - «فكفيته تعب الحياة فلم يعد ابداً بتدبير الحياة مفكرا» ص64. - وفي «من اغوار الخفا»: «فكفيتهم تعب الحياة فلم يعد احد بتدبير الحياة مفكرا» ص112. - وهناك ابيات من نفس القصيدة غير موجودة في الديوان -لكنها موجوة في كتاب: «من اغوار الخفاء»، وهي: «وقطعت دابر كل لص اصغرٍ ليصير جيبي فيه لصاً اكبرا هذي المساواة التي لم يستطع بطل يحققها لشعب في الورى» ص117، - وفي قصيدة: «نشيد الضائعين» ص160 في الديوان: «هذه كل المرايا فاكسروها فكم تبدون فيها بشعينا» وفي اغوار الخفا: «هذه كل المرايا فاكسروها فلكم تبدون فيها بشعينا» ص121. اضافة الى عشرات الاختلافات بين -ديوان الفضول الجديد وديوان الاستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح. - وبالنسبة للقصائد الغنائية: ففي قصيدة «رددي ايتها الدنيا نشيدي» ص303 - في الديوان «بالغناء والحمى» اعتقد ان الصحيح «بالفناء والحمام» والمقصود بها الموت لان السياق بالبناء والسلام قد بهرنا الخير بالخير التزاما بالغناء والحمام قد قهرنا الموت للموت اقتحاما بالوفاء والذمام نحن اوفى الناس للناس ذماما» - في الديوان: «ليس منا من يصب النار في ازهارنا كي تحرقا» ص303 لكن في موسوعة شعر الغناء اليمني: «ليس منا من يسكب النار في ازهارنا كي تحرقا» ج 6ص207 - في قصيدة :( ياسموات بلادي) - في الديوان : - «هذه الارض التي صهوات العز فيها واتينا» ص 314 - بينما في الموسوعة: - «هذه الارض التي سرنا على صهوات العز فيها وآتينا» ص210 - في قصيدة «عدن عدن».. - في الديوان: - «يبكي شجن ..صنعاء اليمن .. قلبي لتربتك حن»ص323 - وفي الموسوعة = « صنعاء اليمن .. قلبي لترتبك حن ..يبكي شجن » ج6ص249 اضافة الى اختلافات اخرى بين الديوان وموسوعة شعر الغناء اليمني في القرن العشرين .. وهي موجودة عندي -في قصيدة :«من اجل عينيك » 336. هناك اربع ابيات - معكوسة - بحيث تقدم عجز البيت على الصدر .. ص337. - في الديوان : - حنانها كم ذا علينا بكين كم يا قلوب اعطت لاشواقنا ص336 هناك اعتقد ان الاصح : - كم ياقلوب اعطت لاشواقنا حنانها كم ذا علينا بكين ». - وهناك بعض الابيات وردت في الديوان .. كما في الصفحات :(350-357-362 -366 -376 ) .. توحي للقارئ بوجود بعض الاخطاء فهل ياترى هي كذلك .. ام انها محرفة ؟! مجرد تساؤل ؟!! - كما ان هناك قصائد لم ترد في الديوان :- وهي من القصائد التي احتفظ بها ..مثل :- قصيدة غنائية - لحنها وغناها - عبد الباسط عبسي بعنوان (قلبي برد).. ومن ابياتها :- - قلبي برد من بعدما ظلك عليه قد رد .. وفاء من حوله وزاد وامتد .. الخ... - وهناك قصائد على غرار القصائد المشهورة لكبار الشعراء العرب المعروفين :- مثل: - قول امرؤ القيس: - «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وبسقط اللوى بين الدخول فحومل»! - فقال الشاعر الفضول او كما اسمى نفسه هنا ب: «ابو يمن»: - «قفا نبك من ذكرى العساكر ياعلي ومن ثوب مخزوق الجيوب معطل - «ولماجلست القاع جنب فطيمتي فقالت لك ام الجن انك مقمل».... الى اخر القصيدة.. - وقال السموءل بن عاديا: «تعيرنا انا قليل عديدنا فقلت لها ان الكرام قليل» - فقال - ابو يمن :- - « تعيرنا انا ندقدق بابها فقلت لها حكم الامام جميل لنا عكفة تغزو الى البيت تارة فتمرح في ارجائها وتجول » الى آخره .. -وقال ابن نباته المصري يرثي ابنه: - «الله جارك ان دمعي جاري ياموحش الاوطان والاوطار » - فقال - ابو يمن -: - «دقت قواي وشقدفت افكاري دكة حجيف ودكة الابكاري » الله جارك هل رايت من الورى يحمل مثلي او يجر جواري » الى آخر القصيدة .. بالاضافة الى ذلك - هناك : (ملحة ابو يمن ) التي نظمها الفضول على غرار :(ملحة الاعراب ) للحريري ... والتي منها : - باب الجر -: - «والجر ان جاء من العسكور فإنه في ذمة الامير» تقول : جر العسكري جدتي وحجها في طول عرض الجربة لانها لم تعطه الاجارة فاستعمل الاونطة والشطارة » الى آخر ملحة ابو يمن ) اضافة الى عدم وجود الفهرس الموضوعي للقصائد.. وعدم ذكر مناسبة القاء بعض القصائد.. وكذلك عدم ذكر اسم الملحن والفنان.. بما يخص القصائد الغنائية الواردة في كتاب «اشعار الفضول».. ووجود اخطاء لغوية ومطبعية وغيرها ...الخ. - ان ذكر كل ما سبق.. ياتي من حرص محب لاشعار الفضول كقارئ متذوق.. خاصة وان الاخ رئيس الهيئة العامة للكتاب.. قد اشار في ص11 الى احتمال النقص.. واستعداد الهيئة لتقبل ما يغطي اي نقص محتمل!! - ذلك ان المطلع لكتاب «اشعار الفضول» بما فيه من اخطاء وزلات.. قد يفهم ان هدف الهيئة العامة للكتاب من اصداره ينحصر بالاصدار والعائد فحسب!! وكان الاحرى بالهيئة الاستعانة ببعض المختصين ومتذوقي الشعر والادب.. امثال استاذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح.. والاديب- محي الدين علي سعيد.. الذي يجد القارئ بين كتابه: «الهم الوطني والضمأ العاطفي» وكتاب: «اشعار الفضول» فارقاً كبيراً.. بل فوارق.. والتي منها.. تلمس القارئ بكتاب «الهم الوطني».. التذوق الادبي والنكهة الفنية.. مما يدفع بالقارئ الى محاكاة مؤلفه في تذوق الحرف والكلمة والاعجاب بالشاعر!. - مع الاحترام.. لجامع مادة كتاب «اشعار الفضول» ومصنفها الزميل لطفي فؤاد احمد محمد نعمان.. الذي كان يجب ان يكون الاحرص.. باعتباره من «البيت» لكنه كعادته.. ابتلاه الله بالعجل.. وكأن الآية القرآنية الكريمة «خلق الانسان من عجل».. وتعنيه قبل غيره؟!! - واذاً.. - هذا هو ما رأيت تسطيره هنا.. عن كتاب -الشاعر- عبدالله عبدالوهاب نعمان- الفضول- «اشعار الفضول».. كقارئ ومتذوق للشعر والادب.. فحسب!!. |